في خطوة وُصفت بالمدروسة والمركّبة، أنجزت الدولة اللبنانية ردّها الرسمي على الورقة الأميركية التي حملها الموفد توم باراك، والتي تهدف إلى تهدئة الجبهة الجنوبية وتكريس الاستقرار، على وقع التصعيد غير المسبوق في الجنوب اللبناني والاشتباكات المتقطعة بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي. الرد، المقرر تسليمه الإثنين، جاء نتيجة مشاورات مكثفة بين الرؤساء الثلاثة—جوزاف عون، نبيه بري، ونواف سلام—ويطرح معادلة تبدو ظاهريًا متوازنة: سلاح الشرعية مقابل انسحاب إسرائيلي شامل. ولكن هل يكفي هذا التوازن اللغوي لتجنب خسارة استراتيجية كبرى؟
تفكيك منشآت الحزب جنوب الليطاني: انكسار جدار الغموض؟
النقطة الأبرز والأكثر إثارة للجدل في الرد اللبناني هي تلك المتعلقة بـ”تفكيك منشآت حزب الله جنوب الليطاني”، والتي تُعرض ضمن سياق “بسط سلطة الدولة”. ورغم محاولات الصياغة التلطيفية، فإن الطرح يشكل لأول مرة منذ 2006 اعترافًا ضمنيًا بوجود بنية مسلحة للحزب في هذه المنطقة، في خرق مفترض للقرار 1701. فهل يتجه لبنان نحو انتزاع “امتياز المقاومة” من الحزب؟ أم أن الصياغة المتعمّدة تُخفي نوايا لتأجيل التنفيذ أو إعادة صياغته عبر تفاهمات ميدانية؟
مطالب مشروعة… لكن قديمة
الرد يعيد طرح ملف الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، بالإضافة إلى المطالبة بعودة الأسرى وتوضيح مصير المفقودين. وهي مطالب تكررت لعقود دون تحقيق تقدم ملموس، ما يطرح التساؤل: هل هي ورقة ضغط تفاوضية أم تغطية سياسية لمطالب داخلية أكثر تعقيدًا؟
يونيفيل والدعم الدولي: تفعيل أم تدويل مقنّع؟
الرد يشدد على أهمية تجديد ولاية اليونيفيل وتعزيز قدرات الجيش اللبناني، في خطاب يبدو أقرب إلى مناشدة المجتمع الدولي بتأمين موارد ميدانية لحفظ الأمن، مما يعكس هشاشة البنية العسكرية اللبنانية في الجنوب، واحتمال انزلاق الأمور نحو تدويل موسّع إذا ما فُسرت البنود بشكل فضفاض من قبل الأطراف المعنية.
اللاجئون السوريون والحدود: لغة مزدوجة؟
الورقة تدعو إلى “رعاية عربية” لعودة النازحين السوريين، وهي صياغة غامضة لا تحسم مسار التنسيق مع النظام السوري أو آليات العودة. كما أنها تُحمّل الولايات المتحدة مسؤولية الضغط على إسرائيل، من دون أن تقدم التزامات مقابلة في ملف ضبط الحدود أو السلاح الفلسطيني.
إصلاحات واستعادة الثقة: فقرة بروتوكولية؟
كالعادة، تأتي فقرات الإصلاحات المالية والاقتصادية، والتمسك بالبيان الوزاري، لتغطية الطابع الدبلوماسي للوثيقة، من دون أن تُقدّم تصوّرًا عمليًا واحدًا لكيفية تفعيلها في ظل الانقسام السياسي والتردي الإداري. هل الهدف هو إرضاء الشركاء الغربيين أم تسجيل نقاط داخلية إعلامية؟
ملاحظات ختامية: اتفاق مقابل اتفاق؟
اللافت في النص هو عدم وضوح آلية التنفيذ، وغياب أي إشارة إلى ضمانات مقابلة من الجانب الإسرائيلي أو جدول زمني واضح. فهل نحن أمام إعادة إنتاج لنهج “التفاهمات المعلقة”، أم بداية صفقة شاملة يُراد تمريرها بهدوء سياسي وإعلامي؟
الرد اللبناني، رغم ثغراته، يشكل لحظة مفصلية في علاقة الدولة مع “حزب الله”، ويطرح للمرة الأولى على الطاولة مسألة السلاح من زاوية التفكيك لا فقط الاحتواء. فهل ستقبل المقاومة بذلك؟ وهل ينجح لبنان في انتزاع مكاسب سيادية من دون أن يخسر أوراقه الدفاعية؟ الأيام المقبلة وحدها تحمل الجواب.