خلف اللوحة المائية الساحرة بقياس 26×38 سم، يقف الفنان اليمني الدكتور عادل الماوري أمامنا لا كرسام فحسب، بل كحكّاءٍ شعبيّ، يوثّق حكاية جمالٍ أصيل ومخزونٍ حضاري عتيق، اختار له مسرحًا من الأعاجيب: جزيرة سقطرى. لوحةٌ تنضح بالألوان والرموز، وتغزل من دم الأخوين والمرأة السقطرية سِفْرًا بصريًا يمزج بين الأرض، الإنسان، والهوية.
رمزية تتجاوز الجمال البصري
أول ما يجذب البصر في هذه اللوحة هو شجرة دم الأخوين، الشجرة الأسطورية المتجذّرة في أرض سقطرى، التي طالما ارتبطت في الوجدان اليمني بالقوة، الندرة، والهوية. غير أن الماوري لم يرسمها كما هي، بل اختار أن يجعل من جذعها جسد امرأة سقطرية ترتدي زيّها التقليدي الأخضر المطرّز، وجهها مستتر ولكن حضورها طاغٍ. هنا، لا تمثل المرأة مجرد عنصر زخرفي، بل هي تجسيد للجزيرة نفسها؛ كأنها تقول: “أنا أصل الشجرة، أنا ظلّها، وأنا دمها.”
بين الجذور والتاج.. تلاحم الذاكرة والهوية
يأتي تفرّع الأغصان ليأخذ شكلًا يكاد يلامس السماء، ويعلو على جرفٍ صخريّ يطل على بحرٍ أزرق يغازل الأفق. وكأن هذا التكوين يريد أن يقول إن المرأة السقطرية ليست فقط جذعًا متينًا يربط الأرض بالحياة، بل هي أيضًا ظلٌ ممتدّ، وذاكرةٌ صاعدة نحو المستقبل.
المرأة في هذه اللوحة لا تتخذ وضعية استكانة، بل وقفة شموخ، تتداخل أغصان الشجرة مع حجابها وملابسها، لتؤكد فكرة أن الأصل واحد: المرأة والشجرة من طينة واحدة، ومن حبر واحد، من دمٍ واحد… دم الأخوين.
تقنية مائية احترافية وأسلوب وجداني
أبدع الفنان باستخدام ألوان الأكواريل (الشفافة المائية)، حيث نلاحظ التنقل السلس بين الدرجات اللونية، من دفء البني والبرتقالي في الجذع، إلى خضرة الحياة في التاج، ثم نقاء الأزرق الذي يعانق اللوحة من الخلف.
استطاع الماوري أن يوظّف هذه التقنية بذكاء بصري وحس إعلامي، ليقدّم ليس فقط عملاً فنياً، بل رسالة بصرية توعوية عن خصوصية سقطرى، وعن أهمية الحفاظ على نسائها، بيئتها، وهويتها المتفردة.
رسالة اللوحة: حين تصبح المرأة هي الوطن
لوحة “المرأة والشجرة” تتجاوز كونها عملًا فنّيًا، لتغدو صرخة حب وانتماء. إنها تذكير بأن المرأة السقطرية ليست فقط جزءًا من المشهد الطبيعي، بل هي روح الجزيرة. إن اقتُلِعت، ذبلت الأشجار، وإن غُيِّبت، خفتت ألوان البحر.
في زمن تتكالب فيه العولمة على الخصوصيات، تأتي هذه اللوحة لتثبت أن الفن يمكن أن يكون مرآة للهوية، وصوتًا للذين لا يُسمع صوتهم.