في خطوة علمية متقدمة تفتح آفاقًا جديدة للطب الجراحي، نجح روبوت جراحي يُدعى “إس تي آر-إتش” (STR-H) في تنفيذ جزء طويل من عملية استئصال المرارة على نموذج يحاكي جسم الإنسان الحقيقي، دون تدخل بشري مباشر، حيث كان الروبوت يستجيب لتعليمات صوتية من الفريق الطبي كأنه متدرب يتعلم من جراح خبير، وفقًا لتقرير نشره موقع (هيلث كار إن يوروب).
تقدم نوعي في مجال الروبوتات الجراحية
يشكل هذا الإنجاز قفزة كبيرة في مجال الجراحة الروبوتية، إذ يدمج الروبوت “إس تي آر-إتش” دقة الآلات مع محاكاة الفهم البشري للأوضاع الجراحية المعقدة، مما يجعله قادرًا على التعامل مع الحالات الطارئة وغير المتوقعة أثناء العملية بثبات ومهارة مشابهة للجراحين المحترفين.
وقال أكسل كريغر، خبير الروبوتات الطبية، إن هذا التقدم يعني تحولًا جذريًا من روبوتات تنفذ مهام محددة ومعروفة مسبقًا، إلى روبوتات تتمتع بذكاء اصطناعي يمكنها فهم الإجراءات الجراحية والتكيف مع الظروف المختلفة، ما يُقربنا من أنظمة جراحية مستقلة وموثوقة تُستخدم في غرف العمليات الحقيقية.
تاريخ التجارب وتطور الأنظمة
في عام 2022، نجح روبوت سابق يُدعى “ستار” (STAR) في إجراء أول عملية جراحية مستقلة على حيوان حي (خنزير) باستخدام جراحة تنظيرية، لكنه كان يعتمد على بيئة منظمة وخطة جراحية صارمة وعلامات مميزة على الأنسجة، الأمر الذي يشبه تعليم الروبوت القيادة في طريق محدد بدقة.
أما الروبوت الجديد “إس تي آر-إتش” فقد تطور ليتمكن من “القيادة في أي طريق، تحت أي ظرف”، حيث يستطيع التعلم والتكيف مع متغيرات العمليات الحقيقية، متخذًا قرارات فورية ويصحح أخطاءه ذاتيًا.
تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة
يعتمد “إس تي آر-إتش” على تقنيات تعلم آلي مشابهة لتلك المستخدمة في أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل “شات جي بي تي”، مما يجعله تفاعليًا وقادرًا على فهم الأوامر الصوتية البشرية والتفاعل معها، مثل أوامر “أمسك رأس المرارة” أو “حرك الذراع اليسرى قليلا”.
يستفيد الروبوت من هذه التوجيهات للتعلم المستمر أثناء العملية، مما يعزز من دقة وكفاءة الأداء الجراحي، ويسمح له بتحسين مهاراته مثل متدرب جراحة يتلقى توجيهات دقيقة من جراح خبير.
تفاصيل عملية استئصال المرارة
تعتبر عملية استئصال المرارة من العمليات الجراحية الدقيقة والمعقدة، وتتضمن 17 خطوة تفصيلية، من بينها تحديد الشرايين وتمييز قناة المرارة وإمساكها بدقة، ووضع المشابك في الأماكن الصحيحة، وقطع الأنسجة بشكل محكم.
تدرب الروبوت عبر مشاهدة مقاطع فيديو جراحين محترفين في جامعة جونز هوبكنز أثناء إجراء العملية على خنازير نافقة، مع شروحات نصية لكل خطوة، ثم طبق ما تعلمه بدقة 100% أثناء تنفيذ العملية.
التعامل مع ظروف غير متوقعة
لم يقتصر أداء الروبوت على الظروف المثالية فقط، بل تمكن من مواجهة تحديات غير متوقعة مثل اختلاف شكل وحجم الأنسجة من مريض لآخر، وتغيير موقع بداية العملية، فضلاً عن استخدام صبغة لتغيير شكل المرارة والأنسجة المحيطة.
ورغم هذه المتغيرات، واصل الروبوت عمله بدقة عالية دون أخطاء، ما يعد دليلاً واضحًا على قدرة الأنظمة الذكية على التعلم والتكيف في بيئات معقدة ومتغيرة.
آفاق مستقبلية واعدة
أشار الباحث جي وونغ “براين” كيم، إلى أن المشروع يعالج إحدى أكبر العقبات التي كانت تواجه تطبيق الروبوتات الجراحية الذاتية في العالم الحقيقي، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي أصبح موثوقًا بما يكفي للاستخدام في العمليات الجراحية.
ويخطط فريق البحث الآن لتوسيع تدريب النظام ليشمل أنواعًا أخرى من العمليات الجراحية، مع تطوير القدرة على إجراء عمليات كاملة ذاتيًا دون الحاجة لتدخل بشري، ما قد يحدث ثورة في مجال الجراحة ويقلل من مخاطر الأخطاء البشرية.
أهمية الإنجاز
يؤكد البروفيسور كريغر أن هذا الإنجاز يثبت إمكانية أتمتة الإجراءات الجراحية المعقدة بثبات وموثوقية عالية، كما يفتح المجال أمام توظيف الروبوتات ذات الذكاء الاصطناعي في البيئات الطبية الحقيقية، ما قد يُسهم في تحسين نتائج العمليات وتقليل الأخطاء الجراحية، إضافة إلى تخفيف الضغط على الطواقم الطبية.
