في عالم تتسارع فيه التقنيات وتتداخل فيه الأبعاد السياسية والاجتماعية، يصبح السؤال الأهم: كيف يمكن إسقاط دولة دون أن تُطلق رصاصة واحدة؟ من سيطرة العقل إلى التأثير على البنية التحتية، تكمن الإجابة في حرب جديدة، لا تحتاج إلى أسلحة ولا جنود، بل تحتاج فقط إلى إحداث خلل في الأنظمة الحيوية التي يعيش عليها الناس، وتدمير القيم التي تُبقيهم مترابطين.
في عام 2019، غيّرت فنزويلا مجرى الأحداث بتجربة مريرة من انقطاع الكهرباء الذي شلّ الدولة بأسرها، مما أدى إلى وفاة العشرات، فضلاً عن توقف الحياة اليومية. وفي وقت كانت فيه وسائل الإعلام الغربية تركز على فشل الحكومة، كانت أصابع الاتهام تُوجه نحو الولايات المتحدة، التي اتهمت بأنها وراء الهجمات السيبرانية التي استهدفت شبكة الكهرباء، في محاولة لإغراق البلاد في الفوضى.
هجمات مثل هذه لا تقتصر على تعطيل الأنظمة أو تدمير العقول خلف الحكم، بل تتعدى ذلك إلى زعزعة الأسس التي قامت عليها حياة الشعوب. فكما قال الفيلسوف الصيني صن تزو: “من الأفضل مهاجمة عقل عدوك بدلاً من مهاجمة مدنه المحصنة.” وهكذا، أصبحت الحرب النفسية سيدة الميدان، حيث تُستهدف عقول الشعوب أكثر من القوات العسكرية.
إحدى استراتيجيات هذه الحروب النفسية هي الهجوم على الأمور التي يشعر الناس بأنها أساسية في حياتهم، مثل الكهرباء والماء والصحة، فبمجرد تعطل أي منها، يبدأ الذعر في الانتشار بين الناس، وتبدأ الفوضى في التفشي. لكن، وفي عالم اليوم، بات بالإمكان نشر أخبار مزيفة عن هذه الأمور، مما يعمق الأزمة النفسية في المجتمع.
الأساليب القديمة التي كانت تعتمد على الترويع والتخويف، مثل تلك التي استخدمها تيمورلنك أو قبائل الأزتيك، قد تطورت بشكل كبير في العصر الحديث، وأصبحت أكثر دقة وتأثيرًا. اليوم، يمكن لرسالة واحدة أن تقلب موازين دولة بأكملها، لا عبر رصاصات الطلقات، بل عبر معلومات يتم نشرها بحذر، وتُدمج في كل زاوية من زوايا الحياة اليومية.
لقد تعلمت الدول الكبرى أن الحرب لم تعد تقتصر على ساحة المعركة، بل أصبحت المعلومات هي السلاح الأمضى، والمجتمعات هي الساحة الأوسع. فكل كلمة، كل إشاعة، يمكن أن تكون الفارق بين استقرار الدولة وزوالها.
من هنا، يكمن التحدي: كيف يمكن مقاومة هذا النوع من الحروب التي تستهدف أرواحنا وعقولنا، وهي أكثر قسوة من أي رصاصة؟
بقلم رئيس التحرير / حسين عباس غزالة