في عام 2025، يعود دونالد ترامب إلى سدة الحكم بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، وتستمر الحروب التجارية التي بدأها خلال فترته الأولى، ولكن مع تغييرات وتطورات جديدة تتناسب مع المستجدات العالمية. منذ توليه منصب الرئاسة في يناير 2017، تبنى ترامب سياسة اقتصادية حمائية تهدف إلى حماية الصناعات الأمريكية وتقليص العجز التجاري الضخم، وكان ذلك يتمثل في فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة، مع التركيز على الاقتصاد الصيني وبعض حلفاء أمريكا التقليديين. وفي عام 2025، وبعد أربع سنوات من الخلافات التجارية والتوترات، نستطيع أن نرى أثر هذه السياسات على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، وكذلك الإجراءات التي اتخذها ترامب خلال فترته الثانية للحفاظ على دوره كقوة اقتصادية محورية.
التصعيد التجاري مع الصين ودول أخرى
منذ بداية حكمه الأول، كانت الصين في صلب الحروب التجارية التي أطلقها ترامب. في 2025، لا تزال العلاقات التجارية بين أمريكا والصين تشهد توترات. الصين هي واحدة من أكبر اقتصادات العالم، ومع ذلك، كان ترامب يصفها بأنها “خصم تجاري غير عادل” بسبب الممارسات التجارية التي كانت تعتبرها الولايات المتحدة ضارة للاقتصاد الأمريكي، مثل سرقة الملكية الفكرية والتلاعب في العملة.
على الرغم من توقيع “اتفاقية المرحلة الأولى” في عام 2020، التي هدفت إلى تقليص العجز التجاري مع الصين، إلا أن ترامب عاد مجددًا في فترته الثانية ليشدد الضغوط على الصين. في 2025، قام بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الصينية، بما في ذلك الإلكترونيات والسيارات، بل وفرض عقوبات إضافية على شركات صينية عملاقة مثل “هواوي” و”تيك توك”. ترامب أعلن أن هذه السياسة ضرورية لتأمين حقوق العمال الأمريكيين وتعزيز الصناعات المحلية.
الردود الصينية وأثرها على الاقتصاد العالمي
كما كان متوقعًا، ردت الصين على هذه السياسات بالفرض المتبادل للرسوم الجمركية على السلع الأمريكية. وبالنسبة للصين، كانت هذه الحروب التجارية فرصة لتحفيز النمو المحلي وتعزيز سلاسل الإمداد الداخلية. مع تصاعد الصراع، أصبحت الصين تبتكر طرقًا جديدة للتجارة العالمية، مثل زيادة الاعتماد على الأسواق الآسيوية الناشئة أو تنشيط اتفاقيات التجارة مع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في منطقة الحزام والطريق.
إن تأثير هذا التصعيد على الاقتصاد العالمي كان غير محدود، فقد أثرت الحروب التجارية في مختلف القطاعات، سواء على مستوى الشركات أو على مستوى التجارة الدولية. ارتفاع الأسعار على السلع الاستهلاكية الأمريكية، وتغيير سلاسل الإمداد، وزيادة التوترات في الأسواق المالية كانت بعض النتائج التي جعلت الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم تعيد تقييم استراتيجياتها.
تعزيز الحماية الصناعية الأمريكية
داخل الولايات المتحدة، واصل ترامب في 2025 تنفيذ سياساته الحمائية، حيث فرض رسومًا على منتجات متنوعة مثل الفولاذ والألومنيوم، مما دفع الصناعات الأمريكية إلى الانتعاش جزئيًا. في إطار هذه السياسات، أعلن عن خطط لدعم الصناعات الأمريكية الأساسية مثل السيارات والطاقة، عبر تقديم حوافز ضريبية للمصانع التي تعيد الإنتاج إلى الأراضي الأمريكية. وعلى الرغم من انتقاد بعض الخبراء الاقتصاديين لهذه الإجراءات التي قد تؤدي إلى التضخم وزيادة التكاليف، إلا أن هذه السياسات كانت تحظى بدعم واسع من الطبقات العمالية في الولايات المتحدة.
من جهة أخرى، عمل ترامب على إحياء اتفاقيات تجارة ثنائية جديدة مع دول مثل كندا والمكسيك، وذلك في إطار اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA) المعدلة، المعروفة الآن باسم “اتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا (USMCA)”، التي تهدف إلى تعزيز صادرات الولايات المتحدة وتقليل الفجوة التجارية مع جيرانها.
السياسات التكنولوجية والابتكار
إحدى المجالات التي شهدت تصعيدًا آخر في فترة 2025 هي الحروب التجارية المتعلقة بالتكنولوجيا. مع تزايد هيمنة الصين على التقنيات الحديثة مثل 5G، السعي الأمريكي للاستقلال التكنولوجي كان له أهمية أكبر في ظل قيادة ترامب الثانية. تم تكثيف الضغط على الشركات الصينية في قطاع التكنولوجيا، وأصبح التركيز على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، الحوسبة السحابية، والطائرات دون طيار أحد أولويات السياسة التجارية الأمريكية.
ترامب سعى لتكثيف الاستثمارات في شركات التكنولوجيا الأمريكية وتحفيز الابتكار داخل البلاد. في الوقت نفسه، رفض عدد من الشركات الصينية الكبرى مثل “هواوي” و”زد تي إي” من الحصول على مكونات تكنولوجية أمريكية، وهو ما دفع الولايات المتحدة للعمل على إنشاء سلاسل إمداد محلية للقطاع التكنولوجي لتقليل الاعتماد على الصين.
التأثيرات السياسية والاقتصادية العالمية
سياسات ترامب التجارية في 2025 أثرت أيضًا على القوى الكبرى الأخرى. الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، كان يعارض بشكل كبير فرض الرسوم الجمركية الأمريكية، ويجري مفاوضات دائمة مع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاقيات تجارة عادلة. في هذا السياق، سعى الاتحاد الأوروبي إلى التنويع في علاقاته التجارية مع دول أخرى مثل الهند واليابان.
على مستوى السوق المالية، كانت الحروب التجارية سببًا في تقلبات كبيرة في الأسواق العالمية. الشركات الأمريكية التي تعتمد على التصدير تأثرت سلبًا من خلال الرسوم الجديدة، في حين استفادت بعض القطاعات مثل الإنتاج المحلي والتكنولوجيا من تلك السياسات الحمائية.
في عام 2025، تظل الحروب التجارية التي بدأها ترامب في فترة رئاسته الأولى تشكل جزءًا من استراتيجيته الاقتصادية. عبر فرض الرسوم الجمركية والعقوبات، سعى ترامب إلى حماية الصناعات الأمريكية وتقليص العجز التجاري. وفي فترة رئاسته الثانية، تبنى سياسة أكثر تصعيدًا، مما أسهم في تغييرات كبيرة في النظام التجاري الدولي. وبينما تستمر هذه السياسات في التأثير على الاقتصاد العالمي، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على ميزتها التجارية من خلال هذه الحروب أم ستؤدي إلى صراعات تجارية أخرى مع القوى العالمية الكبرى؟
بقلم رئيس التحرير / حسين عباس غزالة