تحقيق نقدي في قلب معاناة اللبناني بعد الأزمات الاقتصادية والحرب الأخيرة.
في بلد تُطفأ أنواره أكثر مما تُضاء، لا يمكن النظر إلى انتشار بطاريات الليثيوم على أنها مجرد تطور في السوق أو بديل تقني عصري. انتشارها بهذا الشكل الهستيري يكشف بوضوح عمق الكارثة: المواطن اللبناني يُجبر، لا يختار على شراء طاقة بديلة كي ينجو من نهار بلا كهرباء وليلة بلا ضوء.
ما هي بطاريات الليثيوم؟ ولماذا أصبحت “خيط الأمل” الأخير؟
بطاريات الليثيوم هي وحدات متقدمة لتخزين الطاقة، تمتاز بعمر طويل وكفاءة عالية، وتُستخدم عالميًا في السيارات الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة.
لكن في لبنان، تحوّلت من تقنية حديثة إلى وسيلة إنقاذ.
لم تعد رمزًا للتطوّر، بل أصبحت وسيلة يشتري من خلالها المواطن حقًا أساسيًا انتزع منه منذ عقود من الزمن: حقّه في الكهرباء.
في بلد يفترض أن تُؤمّن فيه الدولة الطاقة، انتقل الناس إلى دفع ثمنها بالدولار، وبكلفة تفوق قدرتهم، وكأن الكهرباء تحوّلت إلى امتياز لمن يستطيع الدفع فقط.
تكلفة البطاريات… نزيف جديد في جيب المواطن
منذ بداية الانهيار الاقتصادي، صارت البطاريات بابًا جديدًا للاستنزاف. شراؤها لم يعد خيارًا، بل ضرورة للبقاء.
الموظفون والطلاب والمرضى وربات المنازل… جميعهم اضطروا لاقتطاع جزء كبير من رواتبهم لتأمين بديل للطاقة.
الأخطر أنّ أجهزة طبية منزلية مرتبطة اليوم بقدرة العائلات على شراء بطارية أو أكثر. حياة البعض باتت معلّقة على سعر سلعة في سوق مفتوح بلا ضوابط.
هكذا لم تعد البطارية مجرد قطعة إلكترونية بل أصبحت فدية يدفعها المواطن لينجو من عتمة فرضتها سلطة غائبة.
الحرب بين لبنان وإسرائيل… ضربة إضافية في خاصرة الاقتصاد
الحرب الأخيرة لم تعمّق الأزمة فحسب، بل رفعتها إلى مستوى جديد من القسوة:
- تقنين أشدّ.
- دمار في البنية التحتية.
- ارتفاع جنوني في أسعار الطاقة البديلة.
- استغلال واضح لحاجة الناس.
في المناطق التي اشتدّ فيها القصف، كان الاعتماد على البطاريات والإنارة الشمسية هو السبيل الوحيد لمجرد الإضاءة أو تشغيل جهاز أساسي، وسط غياب كامل لأي خطة إغاثة كهربائية من الدولة.
الحرب لم تُطفئ فقط خطوط الكهرباء… بل أطفأت ما تبقى من قدرة المواطن على الاحتمال.
لكن الحقيقة الأعمق… أزمة الكهرباء ليست جديدة
أزمة الكهرباء في لبنان ليست وليدة الانهيار الاقتصادي ولا الحرب.
إنها متلازمة طويلة الأمد، عمرها عقود، وُلدت من سوء الإدارة، الهدر، الاحتكار، وانعدام التخطيط.
لسنوات طويلة، عاش اللبناني على وقع ساعات التقنين، لكنه كان قادرًا بشقّ النفس على تسديد فاتورة المولد.
اليوم تغيّر كل شيء:
- الحد الأدنى للأجور انهار.
- فاتورة المولد أصبحت “ترفًا” يفوق قدرة معظم العائلات.
- الحرب دمّرت آلاف الألواح الشمسية والبطاريات.
- تكاليف الصيانة والاستبدال قفزت إلى مستويات غير طبيعية.
ما كان أزمة مزمنة تحوّل إلى عبء خانق لا يُطاق.
المواطن يتحمّل كل شيء… والدولة في الظل
الدولة، التي يفترض أن تكون الضامن الأول للخدمات الأساسية، تراجعت إلى الخلف وتركت المواطن يواجه مصيره.
تركت الناس عالقين بين:
- فاتورة مولد لا ترحم.
- ألواح شمسية أصبحت ضرورة لا كماليات.
- بطاريات تحتاج لصيانة وتجديد مستمر.
- سوق كهرباء خاص بلا رقابة ولا حماية.
تحوّل المواطن إلى:
- ممول للبنية التحتية من جيبه.
- مستهلك للطاقة الخاصة بدلًا من العامة.
- فنّي كهرباء رغماً عنه.
- مسؤول عن كل ما تخلّت عنه الدولة بالكامل.
النتيجة: تدهور معيشي متسارع
كل خطوة يخطوها اللبناني لتأمين الكهرباء تُرهقه أكثر:
- يشتري بطارية… ينكمش دخله.
- يغيّرها… تتلاشى قدرته على الادخار.
- يؤمّن بديلاً جديدًا… تتآكل ما تبقى من الطبقة الوسطى.
الكهرباء التي هي حق إنساني أساسي تحوّلت إلى سلعة.
والفئات الأضعف تُركت في الظلام، لا مجازًا بل حقيقة يومية.
خلاصة تحقيق فريق المسمار
انتشار بطاريات الليثيوم في لبنان ليس علامة تقدم…
بل مرآة سوداء تعكس:
- فشل الدولة في تأمين أبسط الحقوق.
- عمق الانهيار الذي أصاب كل بيت.
- تداعيات الحرب التي زادت الظلام ظلامًا.
- واستنزاف المواطن الذي يُطلب منه أن يدفع… ويدفع… ولا يحصل على شيء.
إنها ليست مجرد تقنية حديثة بل شهادة حيّة على دولة تخلّت عن شعبها، وتركتهم يواجهون العتمة وحدهم، بما يملكون… وما لم يعودوا يملكون.




