الحادثة التي شهدتها مصر مؤخرًا، حين أقدم طفل على قتل رفيقه بطريقة قاسية، ليست مجرد خبر صادم يمرّ في وسائل الإعلام، بل جرس إنذار عميق يشير إلى خلل خطير في بنية التكوين النفسي والاجتماعي للطفل العربي المعاصر.
من الناحية النفسية، لا يمكن تفسير مثل هذا السلوك بمعزل عن تاريخ النمو العاطفي والمعرفي للطفل. فالقدرة على التعاطف، وضبط الانفعالات، والإحساس بالذنب، مهارات تتكوّن تدريجيًا منذ السنوات الأولى. وحين يُحرَم الطفل من بيئة آمنة تمنحه الحب، والحدود، والقدوة، يبدأ البناء النفسي بالتصدّع.
غالبًا ما تتداخل في مثل هذه الحالات عوامل متعددة، منها:
- اضطرابات التعلّق المبكر، حين لا يشعر الطفل بارتباط آمن مع والديه، فينشأ داخله فراغ عاطفي وعدوان مكبوت.
- التعرّض للعنف في المنزل أو الشارع أو عبر وسائل الإعلام، فيتعلّم أن القوة والسيطرة هما وسيلته الوحيدة للتعبير أو الدفاع عن ذاته.
- ضعف مهارات الضبط النفسي والانفعالي، مما يجعل الغضب يتحول إلى فعل تدميري دون التفكير في العواقب.
- غياب الرقابة الاجتماعية والتربوية، ما يسمح بنمو سلوكيات منحرفة دون توجيه أو تدخل مبكر.
الأطفال لا يولدون قتلة، بل يُشكَّلون عبر تجاربهم اليومية. وعندما ينشأ الطفل في بيئة قاسية، خالية من الحنان، مثقلة بالإهمال أو العنف، يصبح العنف بالنسبة إليه لغة تواصل أكثر منه فعلًا استثنائيًا.
ما يجعل الحادثة مؤلمة حقًا أنها تكشف عن جيل ينشأ في عزلة عاطفية، يملؤها المحتوى الرقمي العنيف بدل التفاعل الإنساني الحقيقي. هذا الانفصال عن الواقع وعن المشاعر قد يقود إلى ما يُسمّى في علم النفس بـ”انفصال الضمير” أو “تبلّد التعاطف”، حيث يصبح الآخر مجرد شيء لا إنسانًا.
معالجة هذه الظواهر لا تتم فقط عبر العقاب أو الصدمة الإعلامية، بل من خلال تدخل مبكر متعدد المستويات، يشمل:
- دعمًا نفسيًا للأسرة والطفل في المدارس والمجتمع.
- برامج لتعليم مهارات التنظيم الانفعالي والتعاطف.
- توعية الأهل بمخاطر الإهمال والعنف اللفظي والجسدي.
في النهاية، حين يقتل طفل، لا يكفي أن نحاكمه. علينا أن نحاكم الظروف التي صنعت داخله هذا القدر من الغضب واللاانتماء. فالطفل لا يولد شريرًا، لكنه قد يتعلّم الشر عندما لا يجد من يعلّمه كيف يحب.




