في ركنٍ بعيدٍ من بلادٍ يغمرها الثلج
أكثرَ مما يغمرها الدفء،
يقف خليل إبراهيم، رجلٌ من بلاد الأرز.
يحمل في كفّيه دفءَ الشرق،
وفي قلبه أنينَ أرزٍ يحنّ إلى الجبال.
متجره الصغير ليس دكانًا للحلوى،
بل نافذةٌ يطلّ منها الشرق على الغرب.
تفوح منه رائحة الزبدة كأنّها صلاةٌ تُتلى على مذبح الفرح،
ويُعجن فيه السكر بالحبّ كما يُعجن الخبز بالإيمان.
يبتسم خليل…
فتُشرق من ابتسامته شمسٌ صغيرة،
تغمر العابرين بلحظة صفاءٍ تُنقذهم من رماد الأيام.
أنا، ما عرفتُ خليلًا يومًا،
لكنّي رأيته في مقطعٍ عابرٍ على صفحات التواصل الاجتماعي.
كان يرقص بخفّة النسيم،
وحوله الأغاني اللبنانية تدور كما تدور الأرواح حول نبع الطفولة.
ضحكته ترنّ،
وفيها صدى بعيدٌ لضحك القرى،
حين كانت الجاراتُ يعجنَّ الفرح في سلال القمح،
ويغنين للحياة كأنّ الحزن لم يُخلَق بعد.
وأكثر ما شدّني في خليل،
أنّه ليس صانع حلوى، ولا صانع محتوى،
بل صانع سعادة.
يُذيب التعب في قدرٍ من الحنين،
ويمزج الحليب بسكر الرجاء،
ويقدّم للروح ملاذًا من صقيع العالم.
صوته ضحكةُ طفلٍ لم تسرقه الأيام،
وعيناه مرآةُ رجلٍ أدرك أن الفرح لا يُهزَم،
وأنّ البساطة أعظم فنون الحياة.
منذ تلك اللحظة، أدمنت مشاهدة تسجيلاته المصوّرة،
قبل نومي، في سكون الليل،
كأنّي أستمدّ منه جرعة دفءٍ تحفظ قلبي من برد الغربة،
داخل هذا الوطن المكبّل بالهموم.
وجهه مرآةٌ أرى فيها ذاتي التي أضعتها بين زحمة الأيام.
كم تمنّيت لو أمدّ يدي إلى الشاشة،
فأصافحه،
وأقول له:
“يا خليل، كيف استطعت أن تزرع الطمأنينة في وجهي المرهق؟”
خليل…
لا يبيع حلوى، بل يُطعم الأرواح راحة،
ولا يعجن السكر، بل يعجن الأمل من رماد التعب.
هو صانع نور،
يشعل من فتيل الصدق شمعةً صغيرة،
ينير بها أرواحنا المتعبة دون أن يسأل الثمن.
منه تعلّمت أن الإنسان يمكن أن يكون نافذةً
يمرّ منها النور إلى الآخرين.
وأنّ الفرح، وإن بدا صغيرًا،
قادرٌ أن يقهر الحزن،
كما تقهر زهرةٌ صخرَ الجبل وتزهر.
خليل هو ابن لبنان
يحمل وطنه كما تحمل الأم طفلها الأول،
ويمضي به في المنافي،
ينثر طيبته وثقافته،
ويُعلن بوجوده أنّ الفرح خُلق ليقاوم الحزن.
هو مثل أرزةٍ في قلب الثلج،
تُناجي السماء ولا تنحني،
تُكابد الصقيع لتمنح دفئها للعابرين.
وهكذا هو خليل إبراهيم،
شاهدٌ بسيطٌ على أنّ الحب لا يموت،
وأنّ البساطة قادرةٌ أن تُعيد للإنسان إيمانه بالحياة،
مهما ضاقت الأرض وتعب القلب.
بقلم رئيس التحرير | حسين غزالة




