في مساء الخميس 17 تشرين الأول 2025، تفاجأ اللبنانيون بظهور النائب والوزير السابق مروان حمادة على شاشة قناة i24NEWS الإسرائيلية، في مقابلة تناولت الأوضاع السياسية في لبنان والمنطقة، ولا سيما الحرب في غزة وتداعياتها على الحدود الجنوبية. هذا الظهور أثار عاصفة من الجدل في الأوساط اللبنانية، السياسية والإعلامية والشعبية، لما يحمله من دلالات تتجاوز الإطار الإعلامي إلى ما يعتبره كثيرون “تطبيعاً” مرفوضاً مع العدو الإسرائيلي.
تفاصيل المقابلة
بحسب التقارير، أُجريت المقابلة مع حمادة عبر الأقمار الصناعية أو من استوديو خارجي تابع للقناة في باريس، وليس من الأراضي اللبنانية. القناة التي استضافته “i24NEWS” هي وسيلة إعلام إسرائيلية ناطقة بعدة لغات، تبث من تل أبيب (ميناء يافا)، وتُعرف بتغطيتها الإخبارية الموجهة للجمهور الدولي حول الشؤون الإسرائيلية والشرق الأوسط.
في المقابلة، تحدث حمادة عن الأوضاع السياسية في لبنان، وعن علاقة حزب الله بالتوترات الجارية على الحدود الجنوبية، متهماً الحزب بجرّ لبنان إلى صراع لا طائل منه، بحسب ما نقلت مواقع إخبارية عدة. غير أن مضمون المقابلة لم يكن وحده محور الجدل، بل المنبر الذي اختاره النائب للحديث.
ردود الفعل اللبنانية
أثار الظهور استنكاراً واسعاً في لبنان. فقد رأت أطراف سياسية وإعلامية أن حمادة تجاوز “الخطوط الحمراء” التي أرساها القانون اللبناني والعرف الوطني فيما يتعلق بالتعامل مع إسرائيل.
أوساط مقربة من حزب الله وصفت الخطوة بأنها “تطبيع مرفوض وخيانة رمزية”، فيما دعا آخرون إلى تحقيق رسمي حول ما إذا كانت المقابلة تُعد خرقاً لقانون مقاطعة إسرائيل الصادر عام 1955.
وفي ساعات الفجر من اليوم التالي، أفادت وسائل إعلام لبنانية عن تجمّع لمناصرين لحزب الله أمام منزل حمادة في بيروت احتجاجاً على المقابلة، وسط انتشار أمني لمنع أي توتر ميداني.
البعد القانوني: قانون المقاطعة
ينصّ قانون مقاطعة إسرائيل في لبنان (الصادر في 23 حزيران 1955) على منع أي تعامل اقتصادي أو إعلامي أو ثقافي مع مؤسسات إسرائيلية أو أفراد يحملون الجنسية الإسرائيلية.
ويُعتبر الظهور الإعلامي على قناة إسرائيلية، من الناحية القانونية، شكلاً من أشكال التواصل أو التمثيل الإعلامي الذي يُمكن أن يُفسّر بأنه خرق لهذا القانون، حتى لو تمّ من خارج الأراضي اللبنانية.
مع ذلك، يرى بعض القانونيين أن المسألة تبقى رمادية من حيث التطبيق، لأن القناة تبثّ أيضاً من باريس ولها مكاتب دولية مرخصة في أوروبا، ما يجعل تحديد المسؤولية القانونية الدقيقة أكثر تعقيداً.
الموقف السياسي لحمادة
حتى لحظة إعداد هذه المقالة، لم يصدر عن مروان حمادة تصريح رسمي يوضح دوافعه أو يردّ على الانتقادات.
ويُذكر أن حمادة، المعروف بمواقفه المعارضة لحزب الله وبانتمائه إلى الخط السيادي المناهض للمحور الإيراني، كان دائماً من الأصوات الداعية إلى إعادة تموضع لبنان في السياسة الإقليمية، وهو ما فسّره خصومه بأنه تبرير ضمني للتطبيع الإعلامي.
بين حرية التعبير والرمزية الوطنية
يرى بعض المراقبين أن ما جرى يعيد طرح السؤال القديم في لبنان:
هل يملك السياسي الحق في التعبير عن رأيه في أي منبر دولي، أم أن الرمزية الوطنية تُلزم الشخصيات العامة بتجنّب أي منصة ترتبط بإسرائيل؟
أنصار حمادة يشيرون إلى أن القناة تبثّ من أوروبا وأن الحوار تناول قضايا لبنانية بحتة دون مساس بالقضية الفلسطينية أو تقديم مواقف مؤيدة لإسرائيل.
أما منتقدوه، فيعتبرون أن مجرد قبول الظهور على قناة إسرائيلية يُمثّل “كسرًا لحاجز المقاطعة”، في وقتٍ يشهد فيه لبنان واحدة من أكثر المراحل حساسية على حدوده الجنوبية.
ما بين حرية التعبير من جهة، والالتزام الوطني والسيادي من جهة أخرى، يبقى ظهور مروان حمادة على قناة إسرائيلية حدثاً صادماً في المشهد اللبناني.
فهو فتح الباب أمام نقاش أوسع حول مفهوم التطبيع في العصر الرقمي، وحول مدى التزام السياسيين بخطوط المقاطعة التقليدية في زمن تتقاطع فيه المنصات الإعلامية والحدود الافتراضية.
وفي غياب موقف رسمي واضح من السلطات اللبنانية أو من حمادة نفسه، يبقى الحدث عالقاً بين السياسة والقانون والرأي العام، عنوانه الأبرز:
هل كان الظهور زلة إعلامية… أم رسالة سياسية محسوبة؟