من الضاحية إلى عرمون: تفاصيل محاولة الموساد إشعال فتيل الحرب الأهلية في لبنان..

في ليلةٍ هادئة من أوائل أكتوبر ٢٠٢٥، كانت فرق أمن حزب الله ترصد تحرّكات غير مألوفة في أحد أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت. لم يكن الأمر مجرّد اشتباه عابر. فخلف تلك التحركات، كانت خيوطٌ خفية تمتدّ من قلب لبنان إلى غرف عمليات خارجية مرتبطة بجهاز الموساد الإسرائيلي، تُحيك ما وصفه مسؤول أمني بأنه “مخطط لإشعال الفوضى الطائفية عبر الدم”.

العملية التي كادت أن تشتعل

بحسب المعلومات الأمنية التي اطّلعت عليها وسائل إعلام لبنانية ودولية، تمكّن جهاز أمن المقاومة بالتنسيق مع الأمن العام اللبناني من تفكيك شبكة تجسس إسرائيلية كانت في المراحل النهائية من التخطيط لتنفيذ تفجيرات وعمليات اغتيال متزامنة في محيط مرقد السيد حسن نصرالله خلال إحياء مناسبة الذكرى السنوية للحرب.

التحقيقات الأولية، التي لا تزال جارية بسرية تامة، تشير إلى توقيف أربعة مشتبه فيهم، بينهم لبنانيون وسوريون، وبعضهم اعترف بتلقّي تعليمات من ضباط في جهاز الموساد. كما تبيّن أن المجموعة استخدمت مستودعات في مناطق جبل لبنان لتجهيز العبوات والأجهزة الإلكترونية اللازمة، مع الاستعانة بتقنيات تحكّم عن بُعد “روبوتية” لتنفيذ عمليات اغتيال دقيقة دون تعريض المنفّذين المباشرين للخطر.

من النقّاش إلى عرمون… مسرح العمليات

مصادر ميدانية أكدت لموقع المسمار أن فرق المداهمة عثرت على معدات تفجير وأجهزة اتصالات مشفّرة في مستودعين أحدهما في النقّاش (المتن الشمالي) والآخر في دوحة عرمون (عاليه). وتمّ توقيف مشتبه به من جنسية سورية وآخر لبناني داخل أحد المستودعين، فيما أوقف اثنان آخران في منطقة عرب خلدة، يُشتبه بأنهما شاركا في نقل العبوات.

لكنّ اللافت في التحقيق أن بعض الموقوفين يحملون خلفيات علمية وتقنية مكّنتهم من بناء منظومة تفجير عن بعد بقدرات لوجستية متقدمة. مصادر أمنية تحدّثت عن “عقل تقني” تلقّى تدريبه في الخارج على يد ضباط ارتباط إسرائيليين عبر وسطاء في أوروبا الشرقية.

الأهداف الخفية: اللعب بالنار الطائفية

بحسب التقديرات الأمنية والسياسية، فإن الهدف من هذه العملية لم يكن فقط تنفيذ تفجير محدود الأثر، بل تفجير المشهد اللبناني برمّته عبر ضرب رمز ديني في قلب بيئته الشعبية، على أمل إشعال اقتتال طائفي يُعيد إلى الأذهان مشهد العراق بعد عام 2003.

يقول خبير أمني لبناني في تصريح خاص:

> “الموساد لا يبحث عن النصر الميداني، بل عن الفوضى التي تفكك الداخل اللبناني من الداخل. ما جرى محاولة لتأجيج نار مذهبية مدروسة.”

إدارة الأزمة من القمة

بعد إحباط العملية، أبلغ مدير عام الأمن العام اللبناني رئيس الجمهورية بكل تفاصيلها، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر صحافي رسمي في الأيام المقبلة لكشف بعض النتائج. غير أنّ العديد من العناصر لا تزال قيد المتابعة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالجهات الخارجية التي موّلت ونظّمت الاتصالات.

رسائل أبعد من التفجير

يرى محلّلون أن العملية رغم إحباطها تحمل رسائل إسرائيلية مزدوجة:
الأولى، أن قدرة الاستخبارات الإسرائيلية على اختراق الداخل اللبناني لا تزال حاضرة رغم القبضة الأمنية.
والثانية، أن الحرب الاستخبارية المفتوحة بين الطرفين لم تعد تقتصر على الحدود الجنوبية، بل انتقلت إلى عمق البيئة المدنية.

بين الأمن والسياسة: واجب التحصين

في ضوء هذا التطور، يحذر مراقبون من خطورة خطابات الكراهية والتحريض الداخلي التي قد تُستغل لتغذية الفتنة. ويؤكد مصدر أمني رفيع أن الأجهزة اللبنانية “لن تتهاون في مواجهة أي نشاط استخباري يهدد السلم الأهلي”، داعياً إلى تعاون وطني شامل بين مختلف القوى السياسية والدينية لإفشال الأهداف الإسرائيلية.

خلاصة التحقيق:
ما جرى في بيروت لم يكن مجرد “عملية أمنية ناجحة” بل إنذار مبكر عن معركة استخبارية مفتوحة، فيها التقنيات الحديثة بقدر ما فيها من الرسائل السياسية. والخطر الحقيقي، كما يقول أحد المحققين، “ليس في العبوة التي أُبطلت… بل في الشرارة التي كادت تُشعل البلاد.”