يدخل طلاب غزة عامهم الثالث محرومين من التعليم، بعدما حوّلت الحرب مدارسهم إلى أنقاض أو ملاجئ للنازحين، فبات نحو 700 ألف طالب بلا صفوف ولا مقاعد، فيما يهدد الخطر جيلًا كاملاً بالجهل والضياع.
حقائب النزوح بدل الحقائب المدرسية
الطفل عمر دواس (14 عاماً) يصف للمسمار معاناته قائلاً: “أعيش عامي الثالث عالقاً في الصف نفسه، بعد استشهاد بعض زملائي ومعلميني، بينما ينطلق أقراني في العالم بفرح نحو مدارسهم”. لم تعد حقيبته تحوي دفاتر وكتباً، بل طعاماً وحاجيات أساسية للنزوح، بعد أن تحولت المدرسة من بيتٍ ثانٍ إلى ملجأ وحيد.
أما سالي ابو دقة (11 عاماً)، فترى أن صوت الانفجارات حلّ محل جرس المدرسة، وأن أحلامها بالتعلم واللعب مع صديقاتها تبخرت. وتقول: “كل يوم يملؤه الخوف على عائلتي، ولا مكان آمناً في غزة”.
معلمون في مواجهة الانهيار
المعلمون يواجهون المصير ذاته. فالنزوح وانقطاع الكهرباء والإنترنت جعلوا التدريس الإلكتروني مستحيلاً. ويؤكد أحمد بدران للمسمار أن الاحتلال يستهدف التعليم بكل مراحله، محاولاً طمس هوية الشعب الفلسطيني عبر ضرب مؤسساته التعليمية.
صفوف من خيام
مع تدمير المدارس، وجد آلاف الطلاب والمعلمين أنفسهم في خيام مكتظة بدلاً من الصفوف. يروي الطالب أدهم أبو حليمة أنّ التعلم على حصائر أمام سبورة مؤقتة “صعب للغاية وسط أصوات القصف”. فيما تقول المعلمة بيان أبو شعبان إنهم يبذلون جهداً مضاعفاً لتقديم الدروس رغم نقص الكتب والقرطاسية.
خسائر غير مسبوقة
وزارة التربية والتعليم العالي تشير إلى أنّ أكثر من 90% من الأبنية التعليمية دُمّرت، فيما استشهد أكثر من 18 ألف طفل و750 معلماً و220 أكاديمياً. ويصف المتحدث باسم الوزارة صادق الخضور ما يحدث بـ”الإبادة التعليمية الممنهجة”، مشدداً على أنّ المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية حماية هذا الحق الأساسي.
“حرب على الأطفال”
من جانبها، توضح مديرة الإعلام في “الأونروا” إيناس حمدان أنّ أكثر من 660 ألف طفل خارج التعليم منذ ما يقارب عامين، واصفة ما يجري بأنه “حرب على الأطفال”. وتشير إلى أنّ 9 من كل 10 مدارس تحتاج إلى إعادة بناء أو ترميم، في ظل صدمات نفسية وفقدان واسع بين الأطفال.
إبادة ثقافية وتعليمية
أما مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، فيؤكد أنّ الاحتلال يرتكب “إبادة ثقافية وتعليمية”، إذ طالت الأضرار أكثر من 95% من المدارس، وتسببت باستشهاد آلاف الطلبة والمعلمين.
ويكشف تقرير مركز الميزان لحقوق الإنسان بعنوان “للعام الثالث بدون تعليم” أنّ الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023 أدت إلى استشهاد نحو 17,900 طالب ومعلم وأكاديمي، مع توقف الجامعات بالكامل وتحولها إلى مراكز إيواء.
جيل على حافة الضياع
أمام هذا الواقع المأساوي، يبقى مستقبل أكثر من 700 ألف طالب في غزة رهينة الدمار والحصار. وبينما تستمر الجهود الشعبية والمبادرات الميدانية لتعويض الفاقد التعليمي، يظل الحل الجذري مرهوناً بوقف الحرب وإعادة بناء المنظومة التعليمية، لحماية ما تبقى من حق الأطفال في التعليم.