يُعتبر العنف النفسي في المدارس من القضايا التربوية والاجتماعية البالغة الأهمية، نظراً لتأثيره العميق على شخصية المتعلم ونموه النفسي والعاطفي، وما يتركه من انعكاسات سلبية قد تمتد إلى مستقبل حياته الأكاديمية والاجتماعية. وقد أولت الدراسات التربوية الحديثة اهتماماً متزايداً بهذه الظاهرة، باعتبارها أحد التحديات التي تواجه المنظومات التعليمية في المجتمعات المعاصرة.
وفي هذا السياق، تقدم الباحثة التربوية الأستاذة بثينة الأمير أحمد، الحاصلة على ماجستير في الفلسفة من دمشق، هذه المقالة التي تسلط الضوء على مفهوم العنف النفسي في المدارس، وأشكاله، وأسبابه، وآثاره السلبية على الطلاب، كما تقترح حلولاً عملية على مستوى المدرسة والأسرة والمجتمع لمواجهته والحد من انتشاره.
مفهوم العنف
العنف في جوهره هو استخدام القوة أو التهديد بها لإلحاق الأذى بالآخرين، سواء أكان الأذى جسدياً أم نفسياً أم اجتماعياً. وتعرّف منظمة الصحة العالمية (WHO) العنف بأنه:
“الاستخدام المتعمد للقوة الجسدية أو السلطة، سواء بالتهديد أو الفعل، ضد النفس أو ضد شخص آخر أو ضد مجموعة أو مجتمع، بما قد يؤدي أو يُحتمل أن يؤدي إلى إصابة أو وفاة أو أذى نفسي أو حرمان”.
تعريف العنف النفسي
العنف النفسي هو كل قول أو فعل أو سلوك يُلحق الضرر بالحالة العاطفية أو النفسية للفرد، مثل: الإهانة، السخرية، التجاهل، التهميش، العزل الاجتماعي، التنمر اللفظي أو الرمزي. ويؤكد علماء النفس أن هذا النوع من العنف أشد خطورة من العنف الجسدي؛ لأنه يترك آثاراً عميقة تمتد لسنوات طويلة على تقدير الذات، والثقة بالنفس، والقدرة على التكيف الاجتماعي.
العنف النفسي في البيئة المدرسية
المدرسة بيئة أساسية في تشكيل شخصية الطفل وتنمية مهاراته، لكنها قد تتحول أحياناً إلى ساحة يُمارَس فيها العنف النفسي بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء من قِبل المعلمين أو الزملاء أو حتى من خلال النظام التعليمي ذاته. ومن أبرز مظاهره داخل المدارس:
- السخرية من قدرات الطالب أو التقليل من إنجازاته.
- التنمر بين الأقران.
- التهديد بالإقصاء أو الحرمان من الأنشطة الصفية.
- المقارنات السلبية بين الطلاب.
أسباب العنف النفسي في المدارس
تتعدد الأسباب الكامنة وراء العنف النفسي في المؤسسات التعليمية، ومن أهمها:
- أسباب تربوية: غياب الأساليب التعليمية القائمة على الحوار والتشجيع.
- أسباب اجتماعية: تأثير الأسرة المفككة أو العنيفة على سلوك الطفل.
- أسباب نفسية: ضعف ثقة بعض الطلاب بأنفسهم مما يدفعهم إلى التنمر على غيرهم.
- أسباب مؤسسية: غياب القوانين الرادعة وضعف الرقابة داخل المدارس.
الآثار السلبية للعنف النفسي على الطلاب
- تدني الثقة بالنفس وضعف تقدير الذات، الأمر الذي ينعكس سلباً على التحصيل الدراسي والمستقبل الأكاديمي.
- الإحساس بعدم الاستحقاق وما يصاحبه من مشاعر سلبية قد تستمر لمرحلة متقدمة من العمر.
- ظهور اضطرابات سلوكية وعدوانية قد تتفاقم ما لم تُعالَج مبكراً.
- زيادة احتمالية الإصابة بالاكتئاب أو التفكير الانتحاري، خصوصاً في مرحلة المراهقة، مما يعكس خطورة هذه الظاهرة في المجتمعات العربية.
الحلول المقترحة
على مستوى المدرسة
- وضع سياسات واضحة وصارمة لمناهضة العنف النفسي.
- تدريب المعلمين على استراتيجيات التربية الإيجابية.
- تعزيز دور وحدات الإرشاد النفسي والاجتماعي داخل المؤسسات التعليمية.
على مستوى الأسرة
- تعزيز قنوات الحوار والتواصل مع الأبناء.
- مراقبة التغيرات السلوكية والانفعالية لديهم.
- التعاون المستمر مع المدرسة لمعالجة المشكلات في وقت مبكر.
على مستوى المجتمع
- إدماج قضايا الصحة النفسية في المناهج الدراسية.
- تفعيل القوانين التي تحمي الطفل من جميع أشكال العنف.
وفي الختام، إن المؤسسات التعليمية مطالَبة بأن تكون بيئة آمنة وداعمة للتعلم والإبداع، خالية من أي ممارسات تسيء إلى نفسية الطفل أو تضعف ثقته بذاته. فالعنف النفسي داخل المدارس لا يُعد مجرد سلوك عابر، بل تهديد مباشر للنمو النفسي والاجتماعي، وله تداعيات قد ترافق الطالب مدى الحياة. ومن هنا، فإن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب تكاملاً في الجهود بين الأسرة والمدرسة والمجتمع لضمان بيئة تربوية سليمة تُسهم في بناء أجيال قادرة على الإبداع والعطاء.
إعداد: الباحثة التربوية
الأستاذة بثينة الأمير أحمد – دمشق
الحاصلة على ماجستير في الفلسفة
