شهد مخيم برج البراجنة في بيروت مشهدًا غير مألوف مع بدء عملية تسليم السلاح إلى الجيش اللبناني. خطوة وُصفت بأنها تاريخية من جانب الحكومة، لكنها بدت للكثيرين مسرحية رمزية أكثر من كونها عملية حقيقية لنزع السلاح. شاحنة صغيرة محمّلة بأسلحة خفيفة غادرت المخيم تحت أنظار الإعلام، لتتحول الصور إلى مادة نقاش حول جدّية الخطوة ومعناها السياسي.
مصادر ميدانية لموقع المسمار أكدت أن الأسلحة التي سُلِّمت لا تمثل مخازن الفصائل الرئيسية، بل يُرجَّح أنها تعود إلى أحد القادة أو المنشقين. بعض الشهادات تحدثت حتى عن إدخال هذه القطع إلى المخيم قبل أيام فقط ليتم تسليمها الآن. في المقابل، التزمت فصائل أساسية مثل حماس والجهاد الإسلامي الصمت، متمسكة بسلاحها ومعلنة أنه ليس موضوعًا للنقاش لأنه مرتبط بالمقاومة، بينما رأت حركة فتح في العملية فرصة لتثبيت موقعها كشريك للدولة اللبنانية.
بالنسبة للسلطات اللبنانية، يكفي المشهد الرمزي ليُظهر أمام الداخل والخارج أن الدولة بدأت تنفيذ خطتها لحصر السلاح بيدها. الحكومة التي جاءت بعد انتخاب رئيس جديد ونيلها الثقة البرلمانية، تريد أن تقدم أوراق اعتمادها سريعًا أمام المجتمع الدولي، خصوصًا في ظل ضغوط اقتصادية وسياسية متزايدة. تسليم السلاح في برج البراجنة بدا ورقة جاهزة لتقول بيروت إنها بدأت السير في الطريق المطلوب.
لكن الواقع أكثر تعقيدًا. المخيمات الفلسطينية في لبنان، منذ اتفاق القاهرة عام 1969، تعيش وضعًا أمنيًا خاصًا خارج سلطة الدولة. أي محاولة لتغيير هذه المعادلة تواجه حتمًا انقسامات فلسطينية داخلية، وحسابات إقليمية أوسع. حزب الله يراقب بدقة، مدركًا أن كل خطوة تتعلق بسلاح الفصائل الفلسطينية قد تُستخدم لاحقًا كمقدمة للضغط باتجاه سلاحه. الغرب بدوره يضغط ويربط الدعم الاقتصادي بخطوات أمنية ملموسة، ولو رمزية في البداية.
هكذا، جاء مشهد برج البراجنة أقرب إلى اختبار للنيات منه إلى إنجاز فعلي. قد يفتح الباب على مسار طويل نحو إعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والمخيمات، وقد يبقى مجرد مسرحية سياسية لتسجيل نقطة أمام الرأي العام. ما هو واضح أن ملف السلاح الفلسطيني لم يعد طي النسيان، وأن مرحلة جديدة بدأت، ولو بخطوة صغيرة محمّلة برمزية كبيرة.