تستمر الحرب في غزة في توجيه ضرباتها القاسية إلى المدنيين، حيث لا تقتصر المعاناة على الجروح الجسدية التي تخلفها القذائف الصاروخية الإسرائيلية، بل تمتد لتشمل الجوع، الذي أصبح أحد أبرز أوجه الأزمة الإنسانية التي يعاني منها سكان القطاع المحاصر.
حصار مستمر وأزمة غذائية خانقة
منذ بداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في عام 1948، وتحمل غزة في طياتها أكثر من مجرد صراع عسكري. كانت المجاعة أداة أخرى تُستخدم ضد الفلسطينيين، حيث يعاني سكان قطاع غزة من حصار مستمر منذ عام 2007، وضعف في الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الغذاء.
هذا الحصار ليس مجرد عائق اقتصادي، بل يُعتبر أداة حربية إسرائيلية مجرّمة تُستَخدم لتدمير البنية التحتية للمجتمع الغزي بشكل متعمد، مما يؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية.
تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى أن 80% من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية. ومع تصاعد الأعمال العسكرية، أصبح من المستحيل على كثير من العائلات تأمين احتياجاتها اليومية من الطعام والشراب. إذ لا يُقتصر الأمر على غياب المواد الأساسية، بل يشمل أيضًا فقدان القدرة على تخزين الطعام أو الحصول على المنتجات الزراعية المحلية بسبب الدمار المستمر في المزارع والبنية التحتية.
الجوع: سلاح غير مرئي
الجوع في غزة ليس مجرد شعور عابر، بل هو أسلوب حياة يومي يعكس مدى معاناة السكان الذين لا يمكنهم الحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية.
تسببت الحرب المتواصلة في ارتفاع مستويات الفقر والبطالة، ما جعل الوصول إلى الطعام أكثر صعوبة. في الوقت الذي يضرب فيه القصف الجوي والبرّي، يعاني الناس من عجز تام في القدرة على توفير قوتهم اليومي.
تأثير هذا الجوع يتعدى مجرد فقدان الوزن، بل يمتد ليشمل تدهور الصحة العامة، حيث يعاني العديد من الأطفال والنساء وكبار السن من سوء التغذية الحاد. الأطفال على وجه الخصوص هم الفئة الأكثر تأثرًا، إذ يتعرضون لـ مشاكل صحية خطيرة مثل فقر الدم، سوء النمو، وضعف المناعة، وهو ما يعرضهم للمزيد من المخاطر الصحية.
الاستهداف المباشر للموارد الغذائية
لا يُعدّ الجوع في غزة مجرد نتيجة غير مباشرة للصراع، بل هو استهداف مقصود من قبل أطراف النزاع.
في كثير من الأحيان، يُستهدَف القطاع الزراعي والمخازن الغذائية كجزء من الحرب الاقتصادية، مما يحرم السكان من إمكانية زراعة محاصيلهم أو الحصول على المساعدات الإنسانية.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في غزة، منها استهداف المنشآت الغذائية، والمستشفيات، والمرافق الصحية، التي كانت تُعتبر مناطق آمنة.
الطائرات الحربية تُقصف المرافق الصحية وتدمّر الأسواق التجارية، مما يعمّق الأزمة الإنسانية ويزيد من عدد الضحايا المدنيين.
منظمات الإغاثة في مواجهة الحصار
بالرغم من المساعدات الدولية التي تُرسل إلى غزة، إلا أن الحصار المستمر يُعيق وصول المساعدات الغذائية بشكل فعال.
أُغلِق معبر رفح، ومنعت إسرائيل دخول المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم.
وعلى الرغم من جهود منظمات الإغاثة الدولية، مثل الصليب الأحمر والأونروا، التي توفر جزءاً من الاحتياجات الأساسية، إلا أن الأزمة في غزة أكبر من أن تحلها المساعدات الإنسانية وحدها.
منظمات مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي قد أصدرت تقارير تحذر من أن الإغلاق المستمر للمعابر والقيود على حركة الأشخاص والسلع تساهم في تفشي الجوع والأمراض.
التأثير على الأطفال والشباب
تتزايد معدلات الإصابة بالسكري، وفقر الدم، وأمراض سوء التغذية بين الأطفال في غزة. تُظهر الدراسات أن الأطفال هم الأكثر تضررًا من نقص الغذاء، مع تزايد عدد الحالات التي تتطلب تدخلًا طبيًا عاجلًا بسبب سوء التغذية.
التعليم أيضًا يتأثر بشكل كبير، حيث أن العديد من الأطفال في غزة يُجبرون على ترك مدارسهم بسبب نقص الموارد المالية أو الحاجة للعمل من أجل البحث عن الطعام.
وبالتالي، تتزايد الضغوط الاجتماعية على الأسرة الفلسطينية، حيث يتحمل الأطفال جزءًا كبيرًا من عبء البقاء على قيد الحياة.
جوع يصارع الرصاص
في غزة، الجوع لا يسير بمفرده، بل يسابق الرصاص، وينتزع حياة الآلاف بشكل يومي.
وبينما يُسجل عدد الضحايا العسكريين في التقارير اليومية، يبقى الجوع هو العدو غير المرئي الذي يُهدد حياة المدنيين، دون أن يُسجل في الإحصائيات بشكل كافٍ.
في خضم الحرب، الغذاء، مثل الحياة نفسها، أصبح سلعة نادرة تُفقد بشكل متسارع، وأصبحت المعاناة الإنسانية في غزة هي الوجه الآخر لحرب لا تنتهي، وحصار لا يتوقف.
إنه جوع لا يسير في صمت، بل هو صرخة متواصلة من معاناة إنسانية تُنتزع منها حقوق البقاء، وتهدد مستقبل الأجيال القادمة.