في بلدٍ يشهد واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه، لم تعد المسابح والمنتجعات الصيفية متنفسًا للعائلات اللبنانية، بل أصبحت وجهة للطبقات الميسورة فقط، فيما تُغلق أبوابها بوجه المواطن العادي بفعل أسعار خيالية لا تخضع لأي مراقبة أو تنظيم رسمي.
تضاعف جنوني للأسعار
مع بداية فصل الصيف، ارتفعت أسعار الدخول إلى المسابح الخاصة في مختلف المناطق اللبنانية بشكل يفوق قدرة المواطن بأضعاف. فبينما تتراوح كلفة الدخول في بعض الأماكن بين 30 و45 دولارًا للشخص يوميًا، تجاوزت في مناطق أخرى هذا الرقم، خصوصًا خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ولم يقتصر الارتفاع على أسعار الدخول، بل شمل أيضًا النوادي الصيفية للأطفال، والتي لطالما كانت خيارًا بديهيًا للأهل في مواسم العطلة.
شهادة من الجنوب: “90 دولارًا للولد!”
السيد علي فرحات، أحد أولياء الأمور من الجنوب اللبناني، تفاجأ هذا الصيف بارتفاع خيالي في كلفة تسجيل أولاده الثلاثة في أحد النوادي الصيفية التابعة لمنتجع سياحي في منطقته. وفي حديث لـ”المسمار”، قال:
“السنة الماضية كنت بدفع 30 دولار عن كل ولد بالشهر، وكانوا ياخدوا 8 حصص سباحة ونشاطات ترفيهية. السنة، لما رحت سجّلهم، تفاجأت إنو السعر صار 90 دولار للولد الواحد، لنفس عدد الحصص! يعني كنت رح إدفع 270 دولار بالشهر عن ولادي التلاتة، من دون نقل ولا وجبة ولا نشاط إضافي”.
وأضاف بأسى:
“أنا موظّف معاشي أقل من ٥٠٠ دولار أمريكي، شو بدي أعمل؟ ما بقا في شي اسمه صيف لأولاد الطبقة المتوسطة أو الفقيرة”.
أين الجهات الرقابية؟
وسط هذه الفوضى السعرية، تغيب الرقابة الرسمية كليًا، إذ لا توجد حتى اللحظة أي جهة حكومية تضع تسعيرة مرجعية أو تراقب الأسعار التي تفرضها المؤسسات السياحية. وزارة السياحة تحصر دورها في الترويج، وتؤكد أنها لا تتدخل في تسعير الخدمات الخاصة، أما وزارة الاقتصاد، الجهة المعنية بحماية المستهلك، فغائبة تمامًا عن المشهد.
وفي وقت ترتفع فيه أسعار الخدمات الأساسية، يُترك المواطن اللبناني لمواجهة مؤسسات تسعّر على هواها، تحت شعار “كل شي بالدولار”، في غياب تام لأي سياسة دعم أو تنظيم.
أصحاب المسابح: “نبحث عن البقاء لا الربح”
من جهتهم، يبرر أصحاب المسابح والمنتجعات هذا الارتفاع بالقول إن التكاليف التشغيلية باتت باهظة:
- سعر طن المازوت لتشغيل الكهرباء يصل إلى 1,000 دولار تقريبًا ويكفي ليومين فقط.
- كافة المواد التشغيلية من الكلور والصيانة إلى رواتب الموظفين تُدفع بالدولار النقدي.
- لا يوجد دعم حكومي للقطاع السياحي، ما يجعل الاستمرار مرهونًا بالتسعير العالي.
لكن ذلك لا يبرر بحسب خبراء اقتصاديين الهوامش الربحية العالية والتمييز الطبقي في تقديم الخدمات، خصوصًا في غياب أي شفافية أو رقابة من الدولة.
ماذا بعد؟
النتيجة واضحة: السياحة الداخلية تنهار على أبواب المسابح، والعائلات اللبنانية تتجه مجددًا نحو “البدائل العشوائية” من أنهار ملوّثة أو شواطئ عامة غير مجهّزة. أما أصحاب الدخل المحدود، فقد اختاروا “البقاء في المنزل”، محاصرين بالحرّ والقلق والعجز.
توصيات عاجلة
- إصدار لائحة إرشادية بالأسعار من قبل وزارة الاقتصاد، تكون ملزمة للمؤسسات.
- تفعيل البلديات للرقابة المحلية وإعطاء المواطنين إمكانية التبليغ.
- إعادة دعم القطاع السياحي الموجه للمقيمين، لا المغتربين فقط.
- تشجيع المبادرات الاجتماعية التي تتيح للأطفال والناشئة الوصول إلى نشاطات صيفية مجانية أو شبه مجانية.
في الختام، تبقى السباحة حقًا طبيعيًا، لا امتيازًا طبقيًا. وما لم تتحرك الجهات الرسمية سريعًا، فإن صيف الفقراء سيبقى “خارج الخدمة”… في بلد البحر فيه مجاني، لكن الوصول إليه صار يُحسب بالدولار.