في بلدٍ تتنازعه الهشاشة السياسية والانقسام الطائفي منذ عقود، جاءت عملية أمنية أخيرة لتفتح جرحًا جديدًا في الجسد اللبناني المنهك. فقد ألقى الأمن العام اللبناني القبض على خلية إرهابية في برج البراجنة، إحدى أكثر المناطق حساسية في الضاحية الجنوبية لبيروت، كاشفًا عن خيوط تنظيمية تربط بعض الموقوفين بتنظيم داعش. لكن ما فجّر الدهشة أو ربما اليقين المؤلم لدى البعض، هو ظهور مؤشرات على تواصل منظم بين عناصر هذه الخلية وبين جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
الفصل الأول: ضاحية تشتعل أمنياً
العملية الأمنية نُفذت في منطقة برج البراجنة، وقد كشفت التحقيقات الأولية عن انتماء عناصر الخلية الموقوفة إلى تنظيم داعش، ما أعاد إلى الأذهان مخاطر الخلايا النائمة، التي لم تنتهِ رغم هزيمة هذا التنظيم الإرهابي في العراق وسوريا.
وبحسب ما ورد في تقارير استقصائية أولية (نقلًا عن موقع 21st Century Wire)، فإن الأجهزة الأمنية اللبنانية عثرت ضمن المضبوطات على برنامج إلكتروني يُستخدم للتواصل مع جهات خارجية، تبين أن بعضها له صلة مباشرة بالموساد الإسرائيلي.
صحة هذه المعلومات لم تُؤكد بعد في بيانات رسمية، لكن التسريبات تكررت في أكثر من مصدر صحفي لبناني وعربي، ما يعطي الرواية وزنًا أوليًا يستحق التوقف عنده.
الفصل الثاني: “قسورة” على الخط
الموقوف الأبرز في هذه العملية هو شخص يُدعى ربيع فارس، المعروف بلقب “قسورة”، والذي تصفه تقارير أمنية بأنه مسؤول عن تنسيق خلايا داعش في بعض المناطق اللبنانية. وقد أشارت التحقيقات إلى وجود كميات ضخمة من الأسلحة والمتفجرات بحوزته.
لكن الأهم من ذلك هو ما أوردته مصادر مقربة من التحقيق، بأن قسورة كان في طور التخطيط لعمليات نوعية قد تشمل شخصيات أمنية، أو منشآت مدنية وطائفية حساسة، بهدف زرع فتنة داخلية.
الفصل الثالث: إسرائيل، داعش، والانفجار المؤجل
ربما لا يكون التعاون بين داعش وإسرائيل أمرًا سهل التصديق للبعض، لكنه ليس خارج السياق السياسي/الاستخباراتي. فقد سبق وألمحت تقارير غربية إلى علاقات خفية بين الجماعات المتطرفة وأجهزة استخباراتية معادية، ضمن ما يُعرف باستراتيجية “تفتيت العدو من الداخل”.
وإذا صحّ ما قيل عن هذا التطبيق المشفّر الذي استخدمته الخلية للتواصل مع الموساد، فإننا أمام مخطط معقد يتجاوز الإرهاب العشوائي إلى حرب استخبارات ناعمة هدفها تفجير الداخل اللبناني عبر مسارات طائفية دقيقة.
الفصل الرابع: الفتنة في انتظـار من يشعلها
ما بعد هذه العملية لا يجب أن يُقاس بعدد الموقوفين، بل بمستوى التوتر الطائفي الذي يرافقها. فقد استغل بعض الخطاب التكفيري في لبنان هذه القضية لإعادة الحديث عن “استهداف الطائفة السنية”، في محاولة واضحة لتأجيج الغضب والفتنة، رغم أن معظم من تضرروا من داعش سابقًا كانوا من جميع الطوائف والمذاهب.
المعادلة دقيقة وخطيرة: كل عملية إرهابية، إذا لم تُحاكم شفّافًا وبحكمة سياسية، تتحوّل إلى قنبلة فتنة. وفي بلد يتنفس على إيقاع الطوائف، فإن أي انفجار أمني يمكن أن يُعاد تدويره طائفيًا بسرعة مرعبة.
الفصل الخامس: إلى أين يسير الداخل اللبناني؟
لبنان يقف على شفا حفرة من نار، وملامح الانفجار الداخلي تتكثف:
- ثقة معدومة في المؤسسات القضائية والأمنية.
- خطاب سياسي/ديني طائفي يتغذى على كل حدث دموي.
- انهيار اقتصادي واجتماعي يمنح الإرهاب بيئة خصبة.
إن لم تكن هناك شفافية قضائية، ومحاسبة صلبة لكل متورط، وتحقيق مستقل في كل الاتهامات، خصوصًا تلك المتعلقة بتورط جهات خارجية كالموساد، فإن الداخل اللبناني ماضٍ نحو سيناريو أسوأ: الانفجار من الداخل، لا من الحدود.
من يصمت اليوم… قد يصرخ غدًا
بين قنبلة موقوتة وأخرى مؤجلة، يقف لبنان على خيط هشّ من النجاة. الصمت الرسمي عن تفاصيل العملية، والضبابية التي تكتنف نتائج التحقيق، والتصعيد الطائفي الذي يرافق كل عملية أمنية… كل ذلك ليس إلا وصفة جاهزة لانفجار قد لا يبقي ولا يذر.
إن ما جرى في برج البراجنة ليس مجرد خبر أمني، بل ناقوس خطر في بلد لم يعُد يملك ترف الصدمة… بل يعيش على وقعها؟