في مشهد تجاوز كل ما يمكن للعقل الإنساني استيعابه، شهد مطار شيريميتييفو الدولي في موسكو حادثة مروّعة، حين أقدم رجل يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والبيلاروسية على الاعتداء الوحشي على طفل لا يتجاوز عمره السنتين، عبر طرحه أرضًا بقوة، وسط صدمة الركاب وعدسات كاميرات المراقبة. الحادثة التي لم تتجاوز ثواني، فتحت أبوابًا واسعة للنقاش حول العنف والكراهية، والهوية، والدوافع المحتملة خلف هذا السلوك الهمجي، لا سيما في ظل تشابك الجنسيات والأصول وتضارب المعلومات حول هوية الطفل الضحية.
المشهد الأول: الجريمة بالصوت والصورة
وفقًا لما وثقته كاميرات المراقبة، فإن المدعو فلاديمير ويتكوف ظهر وهو يرفع طفلًا صغيرًا من الأرض، ليطرحه بكل قوته، ما تسبب له بكسر في الجمجمة، وإصابة بالغة في العمود الفقري، أدخلته في غيبوبة حرجة حتى لحظة كتابة هذه السطور. الجريمة وُصفت بأنها “غير مبررة ووحشية”، دون أن يسبقها أي احتكاك أو استفزاز ظاهر من الطفل أو عائلته.
من هو الطفل؟ تضارب في الروايات
رغم أن وسائل إعلام إيرانية سارعت إلى التأكيد على أن الطفل إيراني الجنسية، فقد خرج السفير الإيراني في موسكو كاظم جلالي ليعلن أن المعلومات تشير إلى أن الطفل ليس إيرانيًا، بل على الأرجح من أصول أفغانية، وأن الجهات الروسية المختصة أكدت أن التحقيقات تجري بالتنسيق مع الجهات المعنية بالأفغان في روسيا.
هذا التضارب في الهوية أثار مزيدًا من الغضب والتساؤلات، حيث يرى البعض أن جنسيته لا تغيّر من فظاعة الفعل شيئًا، لكن دقة المعلومة تظل ضرورية في تحديد مسؤوليات الدول، والجهات الدبلوماسية المعنية.
البعد الجنائي: محاولة قتل ودوافع عنصرية؟
أعلنت السلطات الروسية القبض على الجاني ووجهت إليه تهمة “محاولة القتل”، كما أشار مسؤولون قضائيون إلى أن التحقيق يشمل احتمال وجود دوافع عنصرية أو كراهية قومية، وهي زاوية حساسة جدًا في السياق الروسي والدولي، لا سيما مع تزايد مشاعر العداء للأجانب في بعض الأوساط، خصوصًا تجاه اللاجئين أو أبناء الجاليات المسلمة.
ردود الفعل: الغضب يتجاوز الحدود
ما إن انتشر الفيديو حتى ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا في إيران وأفغانستان، بردود فعل غاضبة طالبت بإنزال أقصى العقوبات بحق الجاني، معتبرة أن ما حدث “جريمة ضد الطفولة والإنسانية”. وانتقد ناشطون الصمت الدبلوماسي لكل من السفارتين الإسرائيلية والبيلاروسية في موسكو، في وقت عبّر فيه البعض عن خشيته من طمس القضية أو تخفيف التهم بذريعة وجود اضطرابات نفسية محتملة لدى الجاني.
أسئلة مفتوحة: هل العنف فعل فردي أم انعكاس لمجتمع؟
يبقى السؤال الأهم في هذه القضية: هل ما حدث هو انفجار فردي لشخص مضطرب نفسيًا؟ أم أن هناك منظومة أعمق تغذي هذه النزعات العنيفة والعنصرية؟ وهل يكفي سجن الجاني لتعويض الأذى الذي لحق بالطفل وعائلته – وربما بمجتمع بأكمله رأى في المشهد صدمةً لهويته وكرامته؟
بينما يرقد الطفل في غيبوبة، وبينما تُتداول هويته بين التأكيد والنفي، تبقى الحقيقة الأوضح هي أن طفلًا بريئًا تعرض لاعتداء وحشي في مكان يُفترض أن يكون آمنًا. والقضية، مهما كانت جنسية الضحية أو الجاني، تكشف هشاشة أمن الطفولة في عالم يزداد توترًا، وتدفعنا لإعادة التفكير في معنى الأمن، والإنسانية، ومتى يمكن أن يتحول الراكب المجاور إلى خطر قاتل.