في مشهد بيئي غير مسبوق، تسعى الصين إلى قلب المعادلة المناخية من خلال مشروع ضخم لتخضير المناطق الشمالية تحت شعار “ازرع شجرة على السحاب”، مستندة إلى التكنولوجيا كحليف رئيسي في بناء سورها الأخضر العظيم.
ووفقاً لما كشفته الهيئة الوطنية للغابات والمراعي، فإن الصين تمضي بخطى متسارعة نحو ريادة العالم في التوسع الغابي، بعد أن سجلت أكبر مساحة غابات مزروعة ونموًا مستدامًا في الاحتياطات الخشبية.
تقرير رسمي لعام 2024 أوضح أن البلاد زرعت ما يقارب 4.4 مليون هكتار من الأشجار، واستصلحت أكثر من 2.7 مليون هكتار من الأراضي المتصحرة، رافعة بذلك نسبة التغطية الغابية إلى أكثر من 25%، فيما تجاوز مخزون الغابات 20 مليار متر مكعب.
بين الذكاء الصناعي والغرس اليدوي: الزراعة الرقمية في خدمة البيئة
من أبرز التحولات في المشهد الصيني، بروز تقنيات متقدمة مثل “زراعة الأشجار على السحاب”، وأنظمة مراقبة بيئية ذكية، تُتابع وتدير جهود التشجير واستصلاح الأراضي بكفاءة.
وفي العاصمة بكين، تجسدت هذه الرؤية في مبادرة “الإنترنت + الزراعة الإلزامية”، التي أتاحت للمواطنين المساهمة في غرس الأشجار سواء ميدانياً أو رقمياً عبر 47 طريقة مبتكرة. أكثر من 110 ملايين شخص شاركوا في المبادرة، ما ساهم في زراعة نحو 220 مليون شجرة ورفع نسبة الغطاء الغابي في المدينة إلى نحو 45% منذ عام 1980.
مشروع “سانبي”: بين الطاقة والمراعي والأشجار
أما “مشروع المناطق الشمالية الثلاث” أو “سانبي”، فقد تحوّل إلى منصة هندسية متكاملة تجمع بين استصلاح الأراضي، إنتاج الطاقة النظيفة، وتوسيع المساحات الخضراء.
في منغوليا الداخلية، حيث تعد مكافحة التصحر معركة استراتيجية، بلغت نسبة الميكنة أكثر من 50%، مع تنفيذ المرحلة السادسة من المشروع الهادفة إلى إنشاء حواجز نباتية ضخمة حول أكبر الصحارى. وتستهدف السلطات استصلاح ما يقارب 1.33 مليون هكتار في هذه المرحلة وحدها.
الحكومة الصينية رصدت لهذا المشروع أكثر من 32 مليار يوان في 2024، إلى جانب ضخ أكثر من 200 مليون متر مكعب من المياه الإيكولوجية لري الغابات والمراعي، في خطوة تعزز الحزام الأخضر الواقي لصحراء تاكلامكان.
الرؤية الصينية: التكنولوجيا في خدمة الكوكب
ما يُميز التجربة الصينية هو الجمع بين الإرادة السياسية، تعبئة المجتمع، وتطويع التكنولوجيا لبناء نموذج بيئي مستدام. فمشاريع “الزراعة على السحاب” و”الصحراء الذكية” لم تعد أحلاماً طوباوية، بل تحولت إلى واقع يعيد رسم الخارطة الخضراء لأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان.
في عالم يواجه تهديدات مناخية متزايدة، تثبت الصين مرة أخرى أن الحلول قد تبدأ من البذور، حتى وإن زُرعت على السحاب.