في عالم الفن، حيث الألوان تُغني قصائدَ صامتة، والضوءُ يرقص مع الظل في حوارٍ أبدي، يطلُّ الفنان اليمني والمحاضر الجامعي الدكتور عادل الماوري كشاعرٍ يرسم بقلم الريشة، وكحكاءٍ يروي حكاية وطنه بألوانٍ دافئةٍ كقهوة الصباح التي تعبق برائحة التاريخ والأصالة. إنه فنانٌ لا يرسم باليد فقط، بل بالقلب، بالروح، وبذاكرةٍ تحمل في طياتها آلاف السنين من الحضارة والجمال.
عادل الماوري، ذلك الساحر الذي أمسك بريشته ليرسم لنا صنعاء القديمة، المدينة التي تُشبه امرأةً عربيةً ترتدي عباءةً من نور، وتتزين بحُليِّ الحجارة والطين. يرسم المباني الشامخة التي تعانق السماء، والنوافذ التي تُشبه عيوناً ساهرةً تراقب الزمن وهي تحمل في طياتها أسراراً لا تُحصى. كل حجر في لوحاته يحمل روحاً من روح اليمن، وكل لون يُذكِّرنا برائحة العود والبن الذي يفوح في أزقة صنعاء، كأنه عطرٌ يلاحقنا في كل زقاق.
في لوحات الماوري، الألوان ليست مجرد ألوان، بل هي كلماتٌ تُنظم قصيدةً عن الحنين والأمل. الألوان الترابية من البني والأحمر والأصفر تتداخل كأنها نوتات موسيقية تعزف لحناً عن الأرض والإنسان. يرسم باللون كما يرسم بالضوء، وكأن كل ضربة فرشاة هي نبضة قلب، وكل ظل هو همسة حزن، وكل لون هو قبلة حب لوطنه. الألوان عنده ليست مجرد أدوات، بل هي لغةٌ تُترجم المشاعر التي لا تُقال.
ما يجعل عادل الماوري فناناً استثنائياً هو قدرته على تحويل الحجر إلى روح، واللون إلى حكاية. لوحاته ليست مجرد صور، بل هي نوافذ نطل منها على عالمٍ آخر، عالمٌ يحمل في طياته عبق الماضي وروح الحاضر. إنه يرسم المباني القديمة بتفاصيلها الدقيقة، وكأنه يريد أن يقول لنا: “انظروا، هذه ليست مجرد حجارة، هذه ذاكرة شعب، هذه قصص أجدادنا، هذه هي اليمن مهد الحضارات.”
ولكن، ما يجعل فناننا الماوري فريداً هو ذلك العمق العاطفي الذي يضيفه إلى لوحاته. ففي كل لوحة، نرى جزءاً من روح الفنان، نرى حبه لوطنه، وتعلقه بتراثه، وحنينه إلى الماضي. إنه يرسم ليس فقط ما تراه العين، بل ما تشعر به الروح. لوحاته هي انعكاسٌ لمشاعر إنسانٍ يعيش في قلب اليمن، ويحمل همومه وأحلامه. إنه يرسم اليمن كما يرسم نفسه، وكأنه يقول: “أنا اليمن، واليمن أنا.”
عادل الماوري، الفنان الذي أبدع في نسج حكاية اليمن على لوحاته، يستحق كل التقدير والاحترام. فلتحيى أياديه التي أحيَت تراثنا، ولتحيى ريشته التي خلَدت اسم اليمن في ذاكرة الفن. إنه فنانٌ بكل معنى الكلمة، فنانٌ يجمع بين الذوق الرفيع والإحساس العميق، ليرسم لنا لوحاتٍ تبقى خالدةً في قلوبنا وعقولنا.
في النهاية، لا يسعنا إلا أن نقول: شكراً لك يا عادل الماوري، لأنك جعلتنا نرى اليمن بعيون الفن، ولأنك أعدت إلينا جزءاً من روحنا التي كادت أن تضيع في زحمة الحياة. فأنت يا فناننا، لست فقط رساماً، بل أنت حكاءٌ يروي لنا حكاية وطنٍ، حكاية اليمن السعيد، بألوانٍ دافئةٍ كفنجان قهوةٍ يمنيةٍ.
رئيس التحرير / حسين عباس غزالة