يطل شهر رمضان المبارك لعام 2025 في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها العديد من الدول العربية، حيث يشكل التضخم والارتفاع المستمر في أسعار السلع الأساسية تحديات كبيرة للأسر، مما يؤثر على تكاليف موائد الإفطار والسحور. في هذا التقرير، نستعرض تأثير التضخم على موائد رمضان في عدة دول عربية، مع التركيز على مصر، العراق، فلسطين، الجزائر، المغرب، الأردن، لبنان، والسودان.
مصر: التضخم يضغط على موائد الإفطار
رغم تراجع معدل التضخم السنوي في مصر إلى 23.2% في يناير 2025 مقارنة بـ23.4% في ديسمبر 2024، إلا أن الأسر المصرية لا تزال تعاني من ارتفاع أسعار السلع الأساسية. أسعار اللحوم الحمراء ارتفعت بأكثر من 50% مقارنة بعام 2022، حيث يتراوح سعر الكيلوغرام بين 420 و500 جنيه (8.30 إلى 9.88 دولارات).
تقول فريدة الشعراوي، وهي أم لخمسة أطفال، إنها اضطرت إلى تقليل الإنفاق على الطعام خلال رمضان، حيث اقتصرت مائدة أسرتها على التمر والخروب بدلاً من الأصناف التقليدية الغنية بالبروتين. وتشير التقديرات إلى أن متوسط إنفاق الفرد على الإفطار اليومي يتراوح بين 90 و130 جنيهًا (1.78 إلى 2.57 دولار)، مما يعني أن تكلفة الشهر بأكمله تصل إلى ما بين 2700 و3900 جنيه (53.33 إلى 77.03 دولارًا).
العراق: تضخم معلن وآخر غير معلن
في العراق، يشير الخبير الاقتصادي محمد عادل إلى وجود نوعين من التضخم: تضخم معلن يتراوح بين 3.5% و4%، وآخر غير معلن يؤثر على أسعار الذهب والعقارات، التي ارتفعت بنسبة 120% بين عامي 2021 و2023.
يقول تجار المواد الغذائية إن أسعار السلع الأساسية مثل التمور والألبان واللحوم والأسماك تشهد ارتفاعًا ملحوظًا خلال رمضان، مما يزيد من تكاليف موائد الإفطار. ويتراوح متوسط الإنفاق اليومي للأسرة العراقية بين 10 و30 دولارًا، حسب حجم الأسرة وقدرتها الشرائية.
فلسطين: الحرب تزيد من معاناة الأسر
في فلسطين، أقرت وزارة الاقتصاد الوطني حدًا أقصى لأسعار 15 سلعة أساسية، إلا أن الأسر لا تزال تعاني من ارتفاع الأسعار، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تلت الحرب على غزة. يقول يوسف رضوان، رب أسرة مكونة من ٧ أفراد، إنه يعتمد على الديون لتأمين الطعام لعائلته، حيث ارتفعت أسعار اللحوم والدجاج بشكل كبير.
تشير جمعية حماية المستهلك الفلسطينية إلى أن تكلفة مائدة الإفطار لأسرة متوسطة الدخل تصل إلى 30 دولارًا يوميًا، وترتفع إلى 50 دولارًا في حال استبدال الدجاج بلحم الضأن. وبشكل عام، تتراوح تكلفة موائد رمضان كاملة بين 900 و1500 دولار للأسرة الواحدة.
الجزائر: وفرة في المنتجات ولكن بأسعار مرتفعة
في الجزائر، يتميز شهر رمضان بتنوع الأطباق التقليدية مثل شوربة الفريك والبوراك واللحم الحلو. يقول المنسق الوطني لمنظمة حماية المستهلك فادي تميم إن متوسط إنفاق الأسرة الجزائرية المكونة من 4 إلى 5 أفراد يصل إلى 70 ألف دينار (517.54 دولارًا) خلال الشهر.
ورغم وفرة المنتجات، تشهد بعض السلع ارتفاعًا في الأسعار، مثل اللحوم الحمراء المستوردة، حيث بلغ سعر كيلو لحم الخروف الإسباني 2200 دينار (16.27 دولارًا). ومع ذلك، تظل موائد الإفطار الجماعية التي تنظمها الجمعيات الخيرية خيارًا مجانيًا للعديد من الأسر.
المغرب: “تسونامي الأسعار” يضرب المائدة الرمضانية
استقبل المغاربة شهر رمضان وسط موجة غلاء شملت العديد من المواد الغذائية الأساسية. يقول وافي الإدريسي، رب أسرة من 4 أفراد، إن تكاليف مستلزمات رمضان أنهكت ميزانيته، حيث يبلغ راتبه الشهري 450 دولار فقط.
وفقًا للجامعة الوطنية لحماية المستهلك، تتراوح تكلفة مائدة الإفطار اليومية بين 150 و400 درهم (15 إلى 40 دولارًا)، مما يعني أن تكلفة الشهر بأكمله تصل إلى ما بين 400 و1200 دولار. وتشمل المائدة المغربية التقليدية حساء الحريرة، والتمر، والفطائر، وحلوى الشباكية، واللحوم، والأسماك.
الأردن: ارتفاع أسعار المواد التموينية
في الأردن، ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 2.29% في يناير 2025. وتشير جمعية حماية المستهلك الأردنية إلى أن تكلفة الإفطار اليومي للأسرة تتراوح بين 35 و653 دولارًا، مما يعني أن تكلفة الشهر تصل إلى ما بين 1000 و1950 دولارًا.
تشكو هنادي العساف، ربة منزل، من ارتفاع أسعار الدجاج والخضار، وتدعو الجهات المعنية إلى تشديد الرقابة على الأسواق لضمان توفر السلع بأسعار مناسبة.
لبنان: الأزمات الاقتصادية تلقي بظلالها على رمضان
يواجه لبنان أزمات اقتصادية خانقة، حيث بلغ معدل التضخم السنوي 45.24% في عام 2024. ورغم ذلك، تحافظ المائدة الرمضانية اللبنانية على مكوناتها التقليدية مثل التمر، والشوربة، والفتوش. يقول سعيد فرحات، تاجر مواد غذائية، إن أسعار المواد الغذائية لم تشهد تغيرًا كبيرًا مقارنة بالعام الماضي، باستثناء بعض السلع مثل الأرز والسكر والزيت.
السودان: الحرب تزيد من معاناة المواطنين
يستقبل السودانيون شهر رمضان للعام الثاني وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث تراجع معدل التضخم إلى 145.14% في يناير 2025. يقول الناشط عمران عبد الحكيم إن العديد من الأسر تعتمد على المطابخ الطوعية “التكايا” لتأمين وجبات الإفطار، خاصة النازحين الذين فقدوا مصادر رزقهم.
رمضان بين الروحانية والتحديات الاقتصادية
رغم التحديات الاقتصادية التي تواجهها الدول العربية، يبقى شهر رمضان مناسبة روحانية تجمع العائلات حول مائدة واحدة. ومع ذلك، تظل الحاجة ملحة إلى حلول اقتصادية مستدامة لتخفيف العبء عن المواطنين وتمكينهم من العيش بكرامة في ظل الظروف الصعبة.
فريق التحرير