في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من عقدين، دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى تعليق شعيرة الأضحية لهذا العام، نظرًا للتراجع الحاد في أعداد المواشي، بسبب الجفاف والتحديات الاقتصادية المصاحبة له. القرار، الذي أعلنه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق في خطاب رسمي، جاء استجابةً لواقعٍ فرضته الأوضاع المناخية الصعبة التي يمر بها المغرب، حيث تعاني البلاد للسنة السابعة على التوالي من موجة جفاف أثّرت سلبًا على القطيع الوطني وإنتاج اللحوم.
الاعتبارات الشرعية والاجتماعية
أكد البيان الملكي أن شعيرة الأضحية، ورغم كونها سنة مؤكدة مشروطة بالاستطاعة، فإن الظروف الحالية تجعل ممارستها عبئًا اقتصاديًا إضافيًا على الأسر، لا سيما تلك ذات الدخل المحدود. هذه الدعوة حظيت بدعم واسع من الأحزاب السياسية، حيث اعتبر حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الائتلاف الحكومي، أن القرار يعكس حرص الملك على تخفيف الأعباء المالية عن المواطنين. من جهته، ثمّن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المعارض) هذه الخطوة، داعيًا الجهات المسؤولة إلى اتخاذ تدابير مماثلة لحماية الفئات الهشة.
تاريخ تعليق شعيرة الأضحية في المغرب
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها تعليق ذبح الأضاحي في المغرب. فقد سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن اتخذ قرارات مماثلة في أعوام 1963، 1981 و1996، عندما واجه المغرب أزمات اقتصادية وجفافًا شديدًا.
الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المواشي
وفقًا لتقرير المركز المغربي للمواطنة، فإن أسعار الأضاحي شهدت ارتفاعًا غير مسبوق في عام 2024، حيث تراوحت الأسعار بين 200 و700 دولار، رغم تدخل الحكومة عبر دعم استيراد الأغنام وإعفاء المستوردين من الرسوم الجمركية. ومع ذلك، لم تنجح هذه التدابير في الحد من ارتفاع الأسعار أو تخفيف الضغط عن السوق.
تراجع القطيع وتأثيراته على الأمن الغذائي
بحسب وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، فقد تراجع عدد رؤوس الماشية في المغرب بنسبة 38% مقارنة بعام 2016، إذ بلغ عدد القطيع الوطني في عام 2024 حوالي 20.3 مليون رأس، مقابل 29 مليونًا في 2016. ويعزى هذا التراجع إلى تفاقم الجفاف، وارتفاع تكاليف الأعلاف، واستنزاف المخزون المحلي خلال المواسم السابقة.
الانعكاسات الاقتصادية للقرار
يرى الخبير الاقتصادي بدر زاهر الأزرق أن هذا القرار كان ضروريًا لتفادي أزمة أعمق بعد العيد، إذ إن ذبح الأضاحي كان سيؤدي إلى استنزاف القطيع وارتفاع أسعار اللحوم والضغط على القدرة الشرائية للمواطنين. ورغم أن مربي الماشية (الكسابة) سيتأثرون سلبًا، إلا أن القرار سيساهم في حماية السوق الفلاحية واستقرار أسعار اللحوم مستقبلاً.
بدوره، يؤكد الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن القرار سيحول دون إفلاس قطاع اللحوم الحمراء، محذرًا من أن استمرار النمط الحالي من الاستهلاك قد يدفع المغرب إلى الاعتماد الكلي على استيراد اللحوم بدل تحقيق الاكتفاء الذاتي.
الحلول والتدابير المستقبلية
لضمان نجاح هذا القرار، يؤكد الخبراء على ضرورة تنفيذ تدابير موازية، أبرزها:
- الاستثمار في تحسين سلالات المواشي المحلية بدل الاعتماد على السلالات المستوردة.
- الاعتماد على أبحاث معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة لإيجاد حلول لأعلاف أكثر استدامة وأقل كلفة.
- تقديم دعم مباشر لمربي الماشية الصغار لتعويض الخسائر الناجمة عن انخفاض الطلب على الأضاحي.
- تعزيز الأمن الغذائي المحلي عبر استراتيجيات مستدامة للثروة الحيوانية.
يُشكل تعليق شعيرة الأضحية في المغرب لهذا العام إجراءً اقتصادياً استباقياً يوازن بين الضرورة الشرعية والواقع الاقتصادي. فرغم تأثيره المؤقت على بعض القطاعات، فإنه يهدف إلى حماية الأمن الغذائي واستقرار الأسواق على المدى البعيد، وهو ما يتطلب تكاتف الحكومة والمجتمع لدعم حلول مستدامة في ظل تحديات المناخ والاقتصاد.