يُعدّ البكاء من أصدق أشكال التعبير العاطفي التي يمتلكها الإنسان، فهو انعكاس طبيعي للحالات النفسية المختلفة، سواء كانت حزناً عميقاً، فرحاً غامرًا، أو حتى غضبًا مكبوتًا. وعلى الرغم من أن المجتمع، خاصة في بعض الثقافات، ينظر إلى دموع الرجال على أنها علامة ضعف أو قلة تحمّل، فإن العلم والنفس البشرية يؤكدان أن للبكاء فوائد نفسية وصحية لا يمكن إنكارها.
البكاء كظاهرة بيولوجية ونفسية
البكاء هو عملية فيزيولوجية تحدث عندما تفرز الغدة الدمعية (The Lacrimal Gland) سائلًا مالحًا مكوّنًا من الماء، البروتينات، المخاط، والزيوت. ولا تُعزى جميع الدموع إلى المشاعر فقط، بل هناك أنواع مختلفة منها، مثل الدموع الأساسية التي تحافظ على ترطيب العين، والدموع الانعكاسية التي تحمي العين من المهيجات الخارجية، وأخيرًا الدموع العاطفية التي تُفرز استجابةً للحالات النفسية المختلفة.
هل البكاء مفيد للصحة؟
يؤكد المختصون أن للبكاء تأثيرًا إيجابيًا على الصحة العقلية والجسدية. فقد أشار الدكتور مروان مرغب، في حديثه لـ”الميادين نت”، إلى أن الفوائد الطبية للبكاء كانت معروفة منذ العصور الكلاسيكية، حيث اعتبر الفلاسفة والأطباء في اليونان وروما القديمة أن الدموع تُعد وسيلة تطهير نفسي وجسدي.
من منظور علم النفس الحديث، يتفق الخبراء على أن البكاء يلعب دورًا مهمًا في تقليل التوتر والتخفيف من الأعباء العاطفية. فهو يعمل كصمام أمان يفرّغ المشاعر المكبوتة ويمنع تحولها إلى اضطرابات نفسية أو جسدية. وتشير مدرسة هارفارد الطبية إلى أن كبت المشاعر، أو ما يُعرف بالتكيّف القمعي، يرتبط بضعف جهاز المناعة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم، فضلًا عن القلق والاكتئاب.
رأي المعالجة النفسية كلثوم متيرك: البكاء أداة شفاء وليست ضعفًا
تؤكد المعالجة النفسية كلثوم متيرك أن البكاء ليس مجرد استجابة عاطفية، بل هو جزء أساسي من عملية الشفاء النفسي. وتشير إلى أن الأشخاص الذين يسمحون لأنفسهم بالبكاء عند الحاجة يكونون أكثر قدرة على التعامل مع الضغوط العاطفية مقارنة بمن يكبتون مشاعرهم. وتضيف:
“البكاء يساعد في تنظيم العاطفة، ويُعدّ شكلًا من أشكال التفريغ النفسي الذي يمكّن الإنسان من التخلص من الطاقة السلبية، ما يعزز الإحساس بالراحة والهدوء بعد نوبة من البكاء”.
وترى متيرك أن النظرة السلبية تجاه البكاء، خصوصًا لدى الرجال، قد تكون أحد أسباب تفاقم المشكلات النفسية، إذ إن حرمان الذات من التعبير العاطفي قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية خطيرة على المدى البعيد.
البكاء ليس ضعفًا، بل دليل على التوازن النفسي
إن البكاء ليس دليلًا على الضعف، بل على العكس، هو إشارة إلى أن الشخص متصالح مع مشاعره وقادر على التعبير عنها بصدق. فهو آلية طبيعية تساهم في تخفيف الضغط النفسي وتعزيز الصحة العامة. لذا، بدلًا من كبت الدموع خوفًا من الأحكام المجتمعية، يجب أن ندرك أنها جزء من طبيعتنا البشرية، ومن حق كل فرد أن يعبّر عن مشاعره بحرية دون خوف من التقييم أو النقد.
فريق التحرير