يعدّ سلوك العناد من الإشكاليات التي يواجهها الآباء في التربية بشكل يومي، مما يشكل تحدياً في حياتهم العائلية. يمكننا القول إن الطفل العنيد هو مزيج من تطور شخصيته ورغبته في الاستقلال، بالإضافة إلى محاولته فرض سلطته. ولذلك، يعاني الوالدان من صعوبة في فهم هذا السلوك ومحاولة السيطرة على نتائجه السلبية.
تعريف العناد
يُعرَّف العناد في الأطفال على أنه تمسك الطفل برأيه أو موقفه بشكل قاطع، وعدم استجابته للأوامر أو النصائح من الأهل أو المعلمين. ورغم أن العناد قد يكون سلوكًا طبيعيًا في مرحلة معينة من تطور الطفل، إلا أنه قد يتفاقم عندما يفقد الأهل السيطرة، مما يجعله سلوكًا مؤذيًا يؤثر على حياة الطفل أولاً، وعلاقته مع محيطه الاجتماعي ثانياً. بناءً على الدراسات الأكاديمية، يمكن تحليل أسباب العناد وسبل التعامل معه بشكل فعّال لتحسين سلوك الطفل وتعزيز علاقته مع أسرته.
أسباب العناد لدى الأطفال
علينا أن ندرك أولاً أن العناد هو زيادة في وعي الطفل بما حوله. وبالتالي، فإن مفتاح فهم سلوك العناد هو استيعاب الوالدين أن طفلهم يدرك بيئته جيدًا. لذلك، يمكن تحديد عدة أسباب لهذه الظاهرة:
مرحلة النمو الطبيعي
في مرحلة الطفولة المبكرة، يظهر الأطفال سلوك العناد كجزء من تطور شخصياتهم، حيث يبدأ الطفل في هذه الفترة بالتعرف على قدراته ورغبته في الاستقلالية وفرض شخصيته على الآخرين. وتعد هذه المرحلة فترة مهمة من تطور الطفل، حيث يبدأ في اختبار الحدود والسلطة.
الرغبة في الاستقلالية
العناد في هذه المرحلة هو محاولة الطفل فرض استقلاله عن والديه. كما ذكر “باكمان” (2015)، فإن الأطفال في سن ما قبل المدرسة يشعرون بحاجة متزايدة للتحرر من سيطرة الكبار، والاعتماد على أنفسهم سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي.
التفاعل الاجتماعي
التفاعلات الاجتماعية والتنافس مع الأطفال الآخرين قد تؤدي إلى زيادة سلوك العناد. خاصةً عندما يتسارع التنافس في العلاقات الاجتماعية بين الطفل وأقرانه أو محيطه العائلي، مما يجعله يتمسك برأيه لإثبات شخصيته. وقد يظهر هذا السلوك كنتيجة للضغط الاجتماعي الذي يعاني منه الطفل نفسيًا، مثل الخوف من فقدان حب الوالدين أو التوتر الناتج عن المشاكل الأسرية. أشار “لاينز” (2018) إلى أن الطفل الذي يمر بمشاكل عاطفية قد يستخدم العناد كآلية دفاعية.
السلوكيات المرتبطة بالعناد
لا يظهر العناد فقط في شكل رفض للأوامر، بل يتضمن أيضًا مجموعة من السلوكيات المرتبطة به:
- التحدي المباشر: حيث يرفض الطفل الاستجابة للأوامر بشكل مباشر، وهذا قد يكون محاولة لإظهار القوة أو اختبار الحدود.
- التقليد والتكرار: بعض الأطفال يعاندون كرد فعل لمواقف سابقة، حيث يعيدون نفس السلوك في مواقف مشابهة.
- الرفض العاطفي: يظهر الطفل سلوك العناد من خلال الامتناع عن إظهار الحب أو الاهتمام عندما لا يرضى عن شيء ما.
حلول فعّالة للتعامل مع الطفل العنيد
بعد التعرف على أسباب سلوك العناد، يمكن اتباع مجموعة من الأساليب الفعّالة للتعامل مع هذه المشكلة:
التواصل الفعّال
إن التواصل الجيد مع الطفل يعد أساسًا في تقليل سلوك العناد، خاصة في زمن التكنولوجيا الذي يغلب فيه ارتباط الأطفال بالشاشات الصغيرة. يجب أن يشعر الطفل بأنه جزء من الحوار، وأنه يمكنه التعبير عن أفكاره ومشاعره دون الخوف من العقاب. الدراسات تؤكد أن الاستماع والاحترام لآراء الطفل يعززان من قدرته على التعبير عن نفسه بوضوح.
وضع الحدود بوضوح
يجب على الأهل تحديد الحدود بوضوح، مع توضيح العواقب المترتبة على تجاوزها، دون اللجوء إلى العقاب. بدلاً من ذلك، يجب غرس قيمة الحب في حياة الطفل وتذكيره بأن الحدود وُضعت لحمايته. وفقًا لدراسة “توماس وآخرون” (2018)، يمكن للآباء استخدام أسلوب “التوجيه الإيجابي” لتحقيق توازن بين الحزم والرحمة، ويستدعي ذلك الكثير من الصبر والتعاطف من قبل الوالدين.
التعزيز النفسي الإيجابي
يمكن تعزيز السلوك الإيجابي من خلال المكافآت والمفاجآت عندما يظهر الطفل سلوكًا إيجابيًا، مما يعزز من الثقة والارتباط الروحي بين الطفل ووالديه.
التعلم من الأخطاء
يجب أن يدرك الطفل أن العناد ليس دائمًا سلوكًا مقبولًا، بل يمكن أن يكون فرصة للتعلم وتصحيح الأخطاء. وهنا يبدأ الطفل في تقويم سلوكه وبناء شخصيته، انطلاقًا من التجارب التي تعلم منها، مما يعزز من تطوره المستقبلي.
يتطلب التعامل مع الطفل العنيد صبرًا واهتمامًا عميقًا، حيث يمكن توجيه سلوك العناد بشكل إيجابي. من خلال استخدام أساليب تربوية فعّالة، يمكن للطفل تجاوز هذا السلوك، مما يساعده على النمو بشكل صحي ومتوازن، ويؤدي إلى تحسين العلاقة بين الطفل وأسرى.
بقلم المختصة التربوية | الأستاذة بثينة الأمير أحمد




