يُثير الحديث الأخير للرئيس الأميركي دونالد ترامب عن “غزو نيجيريا” بحجة حماية المسيحيين جدلاً واسعاً حول دوافع واشنطن الحقيقية وحدود تدخلها في شؤون الدول ذات السيادة، خاصة في قارة أفريقيا التي طالما شكّلت ساحة تنافس جيوسياسي واقتصادي بين القوى الكبرى.
1. خلفية الموقف الأميركي
وفق تحليل كولا توبوسون في فورين بوليسي، فإن خطاب ترامب لا يمكن عزله عن السياق الداخلي الأميركي، حيث يتنامى الخطاب الديني المحافظ بين أنصاره. استخدام “حماية المسيحيين” كمبرّر سياسي يُعيد إلى الأذهان مبدأ “الرسالة الحضارية” الذي طالما استُخدم لتبرير التدخلات الغربية في العالم النامي. غير أن توبوسون يحذّر من أن نقل هذه اللغة إلى ساحة نيجيرية متفجّرة إثنياً ودينياً قد يشعل حرباً أهلية جديدة بدل أن يحقق استقراراً.
2. تعقيد المشهد النيجيري
نيجيريا ليست مجرد خط تقسيم بين مسلمين في الشمال ومسيحيين في الجنوب، بل فسيفساء اجتماعية من أكثر من 250 مجموعة عرقية، تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية والدينية. الصراع في البلاد يتجاوز البُعد الديني إلى جذور أعمق: فساد متجذّر، تفاوت اقتصادي صارخ، وتنافس على النفط في دلتا النيجر. كما أن العنف الذي تمارسه جماعة بوكو حرام وغيرها لا يستهدف المسيحيين وحدهم، بل أيضاً المسلمين المعتدلين الذين يرفضون التطرف.
3. ازدواجية الخطاب الأميركي
من المفارقة أن الإدارة الأميركية التي تنكر تغيّر المناخ – أحد أهم مسببات النزاعات بين رعاة الفولاني والمزارعين في وسط نيجيريا – تدّعي في الوقت نفسه حرصها على “السلام الديني”. فالتدهور البيئي الناتج عن الجفاف والتصحر أجّج صراعات على الأراضي والموارد، في حين غابت سياسات التنمية المستدامة والدعم الاقتصادي الذي يمكن أن يعالج الأسباب الحقيقية للعنف.
4. التدخل العسكري كخطر مضاعف
يرى توبوسون – ومعه كثير من المحللين الأفارقة – أن أي تدخل عسكري أميركي لن يطفئ النيران بل سيصبّ الزيت عليها. فوجود قوات أجنبية في بلد يعاني انقسامات داخلية سيُستغل بسهولة من قِبل الجماعات المتطرفة لتغذية خطاب “الاحتلال” و”الحرب على الإسلام”، مما يضاعف من عمليات التجنيد ويقوّي خطاب الكراهية. التجارب في العراق وليبيا وأفغانستان تشهد أن التدخلات الخارجية غالباً ما تُسقط الأنظمة دون أن تبني دولاً.
5. الحاجة إلى حلول داخلية لا وصاية خارجية
البديل الواقعي يكمن في إصلاحات داخلية شاملة تعالج الفقر والبطالة والفساد، وتعزز الحوار بين المكوّنات الدينية والإثنية. الحل النيجيري يجب أن يأتي من داخل نيجيريا، عبر مؤسساتها المدنية والدينية، لا من قرارات عسكرية تُصاغ في واشنطن.
تصريحات ترامب ليست سوى حلقة جديدة في استغلال الدين لأغراض سياسية، وهي تكشف عن رؤية تبسيطية للصراعات الأفريقية تُهمل الجذور الاجتماعية والاقتصادية. إن تحويل نيجيريا – أكبر ديمقراطية في أفريقيا – إلى ساحة مواجهة جديدة سيقوّض ما تبقّى من استقرار إقليمي. ما تحتاجه البلاد ليس “غزواً لإنقاذ المسيحيين”، بل مشروعاً وطنياً يواجه الفساد، يرمّم الثقة بين المكوّنات، ويمنح النيجيريين أسباباً حقيقية للانتماء إلى دولة واحدة.




