الانسان أحسن خلق الله جمالاً وهيئةً وتركيباً.
خُلق على هذه الأرض حاملاً أمانة عظيمة لم يُحمِّلها الله لأيٍّ من مخلوقاته. فكرَّمه الرب وفضَّله على سائر خلقه وزينه بالعقل ووهبه قدراتٍ عظيمة.
فكيف يُعقل بهذا الإنسان العزيز الذي يمتلك عقلاً وإرادةً حرّة أن يتشبّه بالحيوان، ويُطوِّع نفسه بين يدي الآخرين يعبثون به متى وكيفما يشاؤون؟
عالم غريب لا يُعرف عنه الكثير حتى الآن، برز في التسعينات وبدأ بالإنتشار مؤخراً في بريطانيا حيث بلغ عدد المتحولين 10,000 فرد، وامتد إلى جميع الدول الأوروبية وكندا وأميركا وأستراليا
في بداية الأمر كان الأمر مقتصرًا على وجودهم في المنازل والحدائق إلى أن أصبح الأمر مألوفًا في شوارع لندن. يعرض هؤلاء أنفسهم للبيع عبر المواقع الإلكترونية مقابل مبلغ مادي يصل إلى ٧٠،٠٠٠ دولار أميركي بشرط أن يكونوا كلابًا مطيعين لأصحابهم، ينفذون ما يُأمرون به
يعيشون في أقفاص الكلاب، يأكلون طعامهم ويلبسون ثيابهم، يلعبون بالعظام الصناعية والكرات المطاطية، ينبحون ويهزون أذيالهم ويقفزون فرحًا. منهم من تعهّد أن يبقى كلبًا طوال حياته ومنهم من قرّر أن يكون كلبًا إلى جانب حياته البشرية
يقول أحدهم في مقابلة صحفية بأن حياة الكلاب مريحة، ليس لديهم مستقبل للسعي من أجله ولا عمل يذهبون إليه، لا يقلقون ولا يتألمون بسبب المشاكل الإنسانية، ينامون ١٦ ساعة يوميًّا وليسوا ملزمين بالتعامل مع الإنسان ككائناتٍ بشرية، كلّ ما عليك أن تتودّد لإنسان للحصول على مبتغاك وتنفيذ أوامره مقابل مكافأة ماديّة
يشرح علماء النفس بأن الكثير من هؤلاء الكلاب البشرية تعرّضوا للتحرّش الجنسي في طفولتهم ممّا أثّر على سلوكيّاتهم، وبعضهم تعرّض للتنمّر والنبذ من مجتمعه. البعض لديه الرّغبة في الهروب من الواقع والبحث عن حياة جديدة ترتكز على الخضوع، وهذا يعود إلى عدم ثقتهم بأنفسهم والسعي إلى الحصول على الحب والعاطفة فبرأيهم جميع الناس تُحب الكلاب
وقد أظهرت أيضاً دراسات علم النفس في جامعة لندن مؤخراً أن هؤلاء الأشخاص مصابين باضطراب النفس الإجتنابي، والذي من أبرز أعراضه: الشعور بالعجز والدونيّة، إحتقار الذات، المازوخيّة، تعذيب النفس، الحساسيّة الشديدة ضد الآراء السلبية للآخرين، الإنطوائيّة والوحدة، الشعور بأنّهم غير مرحّب بهم من قبل الآخرين
ومن الممكن أن يدفع الدافع الجنسي المنحرف بالمرء للعب هذا الدور، حيث يضع الإنسان نفسه موضع إذلالٍ وإهانة ويُفلت نفسه ليكون مِلكاً للشريك الجنسي ليفعل به ما يشاء
الصادم أكثر أن هذه الظاهرة تغرز مخالبها في مجتمعاتنا العربية أيضًا حيث بدأت الإنتشار في مصر ووصل عددهم إلى ألف كلبٍ بشري، وفي السعودية هناك أكثر من خمسمائة وفي لبنان هناك المئات. لا يوجد إحصاءات رسمية بسبب تخفّي هذه الحالات في المنازل حتى هذا الوقت
من المؤسف إن الإنسان الذي كرمه الرب وأجمعت الديانات والشرائع والمعتقدات في جميع المجتمعات على كرامته ومكانته إنحدر لهذا المستوى الغير مقبول والذي يحتاج وعي وإدراك لخطورة الظاهرة وتأثيرها على أجيالنا القادمة
بقلم الكاتبة والمترجمة هديل هاشم