بيروت – في مثل هذا اليوم قبل عام، دوّى خبر اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، إثر غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية.
كانت لحظة مفصلية هزّت لبنان والمنطقة، وأدخلت المقاومة في امتحان جديد، بعدما غاب قائد ارتبط اسمه بثلاثة عقود من الصراع مع الاحتلال، وصار رمزاً يتجاوز حدود الطائفة والجغرافيا.
الغياب الثقيل
يرى المراقبون أن اغتيال نصر الله لم يكن حدثاً عابراً، بل محطة فاصلة غيّرت معادلات راسخة منذ حرب تموز 2006.
فالرجل جمع بين الكاريزما والقدرة التنظيمية، بين الصرامة السياسية والبساطة الخطابية، ليؤسس صورة القائد الرمز الذي جعل من المقاومة مدرسة متكاملة في الحرب النفسية والعسكرية.
ومع غيابه، انتقل القرار داخل الحزب إلى القيادة الجماعية، فيما وجدت المؤسسة نفسها في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، من غزة إلى الجنوب اللبناني.
لكن إرث نصر الله لا يزال حاضراً. فخطاباته المؤرشفة، وتضحياته الشخصية، ومسيرته التي بدأت من بيئة متواضعة، كلها مكوّنات جعلت حضوره يتجاوز موته.
أصوات من الميدان
في الاحتفال المركزي الذي أقيم في بيروت، تداخلت الأعلام مع صور الشهيد، وارتفعت الهتافات التي تعاهد على مواصلة الطريق.
فريق المسمار الإعلامي جال بين الحشود، فالتقط مشاهد من الذاكرة الحيّة، وأصواتاً تختصر معنى الذكرى:
-
أبو عباس (من الجنوب):
“جئت أحمل راية ولدي الشهيد. نصر الله لم يكن قائداً فقط، كان أبن لكل أم فقدت ابنها، ولكل مقاتل قاوم. اليوم لا نشعر باليتم، بل بالمسؤولية.” -
سالي (من بيروت):
“نصر الله علّمنا أن الكلمة أقوى من الرصاصة حين تكون صادقة. حضوره اليوم بيننا أكبر من أي وقت مضى.” -
وفد من صنعاء:
“جئنا لنقول إن الدم الذي سُفك هنا يوحّدنا جميعاً. من اليمن الى العراق إلى لبنان إلى فلسطين، دماء نصر الله تعيدنا إلى أصل القضية: القدس.” -
نوران (من تركيا):
“نحن أبناء مقاومة واحدة. استشهاد السيد ليس نهاية، بل بداية لمسار جديد نواصل فيه معركتنا ضد الاستكبار.”
بين الرمزية والسياسة
يرى محللون أن اغتيال نصر الله مثّل لحظة تحوّل أعادت رسم المعادلات التي حكمت المنطقة منذ حرب تموز 2006، إذ فتح غيابه الباب أمام ورشة داخلية لإعادة هيكلة البنية العسكرية والسياسية للحزب.
ويشير آخرون إلى أن غياب شخصية بحجمه أثار تساؤلات داخل الطائفة التي مثّلها، لكنه في المقابل عزّز حضوره الرمزي الذي تجاوز حدود الانتماء الطائفي ليكرّسه أيقونة أوسع.
في المقابل، ثمة من يعتبر أن عملية الاغتيال أسقطت بشكل نهائي معادلات الردع التقليدية، وأن المرحلة المقبلة قد تتجه نحو مقاربة جديدة لملف السلاح في لبنان. غير أن هذا الطرح لا يزال موضع نقاش واسع في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والمحلي، واستمرار الاشتباكات على أكثر من جبهة.
وجدان متجدد
أكثر من مليون شخص شاركوا العام الماضي في تشييع نصر الله، مشهد كرّس حضوره كقائد يتجاوز الموت.
واليوم، يتجدد ذلك الحضور في كل فعالية، في كل صورة معلّقة، وفي كل شعار يهتف باسمه.
بين السياسة والرمزية، بين الحرب والذاكرة، تظل شخصية السيد حسن نصر الله حاضرة بقوة.
اغتياله لم يُنهِ الحقبة التي صنعها، بل حوّلها إلى نقطة انطلاق جديدة لمسار لا يزال يرسم ملامح المنطقة.
وكأن الذكرى الأولى تقول: الغياب ثقيل، لكن الإرث أثقل.