في تاريخ كرة القدم العراقية، يظل اسم نشأت أكرم أحد الأيقونات البارزة التي حملت آمال الجماهير داخل وخارج العراق. كان لاعب الوسط الموهوب، الذي ترك بصمته على الساحة الرياضية المحلية والدولية، قريبًا من تحقيق حلم تاريخي في الدوري الإنجليزي الممتاز، حيث كان على وشك الانضمام إلى مانشستر سيتي، إلا أن الظروف حالت دون إتمام هذا الحلم.
من شوارع بغداد إلى الملاعب الكبيرة
نشأ نشأت أكرم في بغداد خلال فترة عصيبة عاشها العراق في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، حيث أثرت الحروب والعقوبات الاقتصادية بشكل كبير على حياة الناس. ومع ذلك، لم تمنعه الظروف الصعبة من متابعة شغفه بكرة القدم. بدأ أكرم مسيرته في الشوارع الشعبية، حيث كانت المباريات غير الرسمية تجمع الأطفال في أزقة العاصمة. وفي سن السابعة عشرة، انطلق من نادي الشرطة ليُثبت نفسه كأحد أبرز المواهب الشابة في العراق، حيث فرض نفسه على التشكيلة الأساسية في وقت مبكر.
بزوغ النجم في الخليج
بعد أن برز محليًا، قرر أكرم الانتقال إلى الدوري الخليجي، حيث شهدت مسيرته الاحترافية مرحلة جديدة من التألق. لعب في الدوري الإماراتي مع نادي الشباب، ليحقق إنجازًا تاريخيًا بحصوله على جائزة أفضل لاعب في الدوري عام 2006، متفوقًا على العديد من النجوم العرب والأجانب. هذا النجاح جعله واحدًا من أبرز لاعبي الكرة الآسيوية في ذلك الوقت.
الحلم الضائع مع مانشستر سيتي
في عام 2008، كانت الفرصة الذهبية تقترب من أكرم، عندما وقع عقدًا رسميًا مع مانشستر سيتي الإنجليزي، بعد اجتيازه الفحوصات الطبية والمشاركة في التدريبات. لكن الحلم تحطم عندما رُفض طلبه للحصول على تصريح العمل، بسبب تصنيف العراق خارج أول 70 دولة في تصنيف الفيفا، ما منع أكرم من اللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز. وعلى الرغم من محاولات النادي الاستئناف، لم يطرأ أي تغيير على القرار، ليعود أكرم إلى نادي العين الإماراتي وسط خيبة أمل كبيرة.
تجربة هولندية غير مكتملة
لم يفقد نشأت أكرم الأمل في تحقيق حلمه الاحترافي في أوروبا، وانتقل إلى الدوري الهولندي في موسم 2008-2009 للانضمام إلى نادي توينتي تحت قيادة المدرب ستيف ماكلارين. هناك، حقق أكرم نجاحًا ملموسًا بتتويجه بلقب الدوري الهولندي، لكنه قرر مغادرة النادي في وقت مبكر، وهو القرار الذي ندم عليه لاحقًا. في تصريحات سابقة، وصف أكرم تلك الخطوة بأنها من أكبر أخطائه في مسيرته، حيث كان يعتقد أن الصبر كان سيمنحه فرصة للكتابة فصول أكثر إشراقًا في مسيرته الأوروبية.
تجربة صينية انتهت سريعًا
بعد مغادرته هولندا، خاض أكرم تجربة أخرى في الصين مع نادي داليان إيربين، ولكنها لم تكن موفقة. عانى من إصابات متعددة وتعرض لمشاكل مالية مع النادي الذي تأخر في دفع مستحقاته، ما دفعه للرحيل سريعًا عن الفريق. انتهت هذه التجربة بشكل مفاجئ ودخلت المسألة في مسار قضائي بين اللاعب والنادي.
المجد مع أسود الرافدين
على الرغم من الحظ السيئ في الاحتراف الأوروبي، يظل الإنجاز الأكبر في مسيرة نشأت أكرم هو قيادته منتخب العراق للتتويج ببطولة كأس آسيا 2007. كان هذا الفوز بمثابة ملحمة كروية لشعب العراق الذي عانى من الحروب والانقسامات. أكرم، مع زملائه في المنتخب، أعاد البسمة إلى وجوه الجماهير العراقية والعربية، ليُصبح أبطال ذلك الجيل أيقونات خالدة في ذاكرة محبي اللعبة.
المرحلة ما بعد الاعتزال
بعد اعتزاله كرة القدم، لم يبتعد نشأت أكرم عن اللعبة التي أحبها طوال حياته. اتجه إلى مجال التحليل الرياضي، حيث قدم تحليلات ومراجعات فنية للمباريات. كما أعلن عن رغبته في الحصول على الرخص التدريبية ودخول عالم التدريب، متطلعًا ربما للعودة إلى إنجلترا، حيث كان حلمه الأول.
على الرغم من التحديات التي واجهها في مسيرته، يبقى نشأت أكرم أحد أعظم اللاعبين في تاريخ الكرة العراقية. قصة أكرم هي قصة كفاح وإصرار، حيث تميزت حياته الرياضية بالعديد من النجاحات والهزائم التي شكلت مسيرته الاستثنائية. وبينما لم يتحقق حلمه في أوروبا، فقد ترك بصمة كبيرة في الملاعب الخليجية والعراقية، لتظل مسيرته مصدر إلهام للعديد من اللاعبين العرب الشباب.