ليل الأربعاء لم يكن عادياً في منطقة سنّ الفيل شرقي بيروت. شارع فرعي هادئ اعتاد سكانه على السكون، تحوّل فجأة إلى مسرحٍ أمني مكتظ بعد أن عُثر على حقيبة سفر مشبوهة ملقاة بجانب الطريق. دقائق قليلة كانت كفيلة بتحويل القلق إلى رعب، بعدما كشفت التحقيقات الأولية أنّ داخل الحقيبة جثة لامرأة من الجنسية الإثيوبية، مصابة بعدّة طعنات سكين في جسدها.
المشهد الصادم انتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسط موجة من الشائعات عن وجود “ثلاث جثث مقطّعة”، قبل أن تُصدر مصادر أمنية توضيحاً:
“الجثة واحدة، وليست مقطّعة. التحقيقات جارية لتحديد هوية القاتل.”
بهذا التصريح بدأت خيوط القصة تتضح، لكن الغموض ظلّ يلفّ دوافع الجريمة ومنفذها.
فور العثور على الحقيبة، فرضت القوى الأمنية طوقاً على المكان، وبدأت عملية معاينة ميدانية دقيقة.
التحقيقات، وفق مصادر خاصة لموقع المسمار، قادتها شعبة المعلومات بالتنسيق مع النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان. وتمّ رفع البصمات، وفحص تسجيلات الكاميرات في المنطقة لتحديد الجهة التي تخلّصت من الحقيبة.
وبعد ساعات من البحث، تمكّنت القوى الأمنية من تحديد هوية الضحية، وهي عاملة منزلية إثيوبية تقيم في محلة البسطة التحتا في بيروت. خيوط جديدة ظهرت عندما تبيّن أن زميلة لها من الجنسية نفسها اختفت في الوقت ذاته. وبعد عمليات رصد دقيقة، داهمت القوى الأمنية المنزل حيث عُثر على المشتبه بها، التي اعترفت بارتكاب الجريمة بعد خلاف شخصي مع الضحية.
مصدر أمني أكّد لـالمسمار أن “القاتلة حاولت نقل الجثة داخل حقيبة والتخلّص منها بعيداً عن مكان الجريمة، لكن انهيارها النفسي وعدم معرفتها بالمكان المناسب لرميها جعلاها تترك الحقيبة في شارع فرعي.”
ما وراء الجريمة
تُعيد هذه الحادثة إلى الواجهة الواقع المأساوي للعمالة الأجنبية في لبنان، لا سيما العاملات الإثيوبيات اللواتي يعشن في ظروف قاسية، غالباً بعيداً عن أي حماية قانونية.
مصادر من منظمات حقوقية تواصلت مع المسمار تشير إلى أن الخلافات بين العاملات قد تتطوّر أحياناً إلى عنف خطير، في ظلّ غياب الرعاية الاجتماعية والرقابة على ظروف سكنهنّ.
ويقول أحد الناشطين إن “هذه ليست الجريمة الأولى التي تقع في أوساط العاملات الأجنبيات، لكنها الأكثر صدمة بسبب الطريقة التي نُفّذت بها حقيبة وجثة وطعنات عدّة ما يعكس تراكماً من الضغط النفسي والاجتماعي”.
أثر على المجتمع والأمن
أهالي سنّ الفيل عبّروا عن ذعرهم من الجريمة، مطالبين بتشديد الدوريات الليلية وتوسيع شبكة المراقبة.
البلدية من جهتها، دعت عبر بيان إلى التعاون مع القوى الأمنية، مؤكدة أن المنطقة “ليست معتادة على هذا النوع من الجرائم” وأن “العمل جارٍ لتأمين كل ما يلزم لمنع تكرارها”.
على الصعيد الأمني، تُشكّل الجريمة اختباراً جديداً لقدرة الأجهزة على ضبط الجرائم الفردية قبل تفاقمها، خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تزيد من معدّلات العنف والفوضى.
الدوافع والرسائل
من خلال تتبّع مجريات التحقيق ومقابلات فريق المسمار مع مصادر ميدانية، يمكن رسم خريطة أولية للجريمة:
الضحية: امرأة من الجنسية الإثيوبية تعمل في الخدمة المنزلية.
القاتلة المشتبه بها: زميلتها في السكن، من الجنسية نفسها.
الأداة المستخدمة: سكين مطبخ استُخدمت في تنفيذ الجريمة.
مكان وقوع الجريمة: شقة سكنية تقع في محلة البسطة التحتا – بيروت.
مكان العثور على الجثة: شارع فرعي في منطقة سنّ الفيل، داخل حقيبة سفر.
طريقة التخلص من الجثة: وضعت القاتلة الجثة داخل حقيبة وحاولت نقلها بعيداً عن موقع الجريمة للتخلص منها في مكان معزول.
الدافع المرجّح: خلاف شخصي تطوّر إلى شجار حاد انتهى بجريمة قتل.
الوضع القانوني الحالي: المشتبه بها موقوفة لدى القوى الأمنية، والتحقيقات مستمرة بإشراف النيابة العامة.
ورغم بساطة الدافع الظاهر، إلا أن طريقة التنفيذ ومحاولة إخفاء الجثة تكشف وعياً جزئياً بالفعل الجرمي، ما يُرجّح أن تكون الجريمة قد حصلت إثر لحظة غضب ثم تلتها محاولة ارتجالية للتخلّص من الضحية.
المشهد الأخير: أسئلة مفتوحة
الجريمة انتهت باعتقال القاتلة المزعومة، لكن القصة لم تُقفل بعد.
هناك أسئلة جوهرية تبقى مطروحة:
- ما طبيعة العلاقة بين الضحية والمشتبه بها؟
- هل تعرّضت أيّ منهما لاستغلال أو عنف سابق؟
- ما دور مكاتب استقدام العاملات في تتبّع أوضاعهنّ النفسية والمعيشية؟
- وهل يمكن اعتبار الحادثة دليلاً جديداً على تدهور الأمان الاجتماعي في العاصمة؟
أسئلة تبقى برسم العدالة، والمجتمع معاً.
فالجريمة ليست مجرد حادثة فردية، بل مرآة تعكس هشاشة واقعٍ يعيشه الآلاف من الفقراء والمهمّشين في لبنان.
جريمة سنّ الفيل ليست تفصيلاً عابراً في نشرات الأخبار، بل مؤشر على أزمة أخلاقية واجتماعية وأمنية تتفاقم بصمت.
من حقيبة صغيرة خرجت مأساة إنسانية كبيرة، ومن دماء فتاةٍ مغتربة وُلدت أسئلة عن العدالة، والرحمة، والإنسانية في وطنٍ يزداد قسوَةً على من هم أضعف فيه.




