في الأسابيع الأخيرة، تتصاعد حدّة التوتّر بين حزب الله وإسرائيل على نحو يعيد فتح الأسئلة حول مستقبل الهدوء الهشّ القائم منذ الأشهر الماضية. فالمشهد الميداني يشهد سلسلة اغتيالات واستهدافات وخرقاً واضحاً للاتفاقات غير المعلنة، نفّذتها إسرائيل داخل العمق اللبناني أو على الحدود، في محاولة لدفع الحزب إلى ردّ مباشر يمنحها “الذريعة الذهبية” لإطلاق حرب واسعة قد تمتدّ إلى ما هو أبعد من الجنوب.
إسرائيل تستدرج الردّ… وتتحيّن لحظة الانفجار
تصرّ إسرائيل، من خلال عملياتها الأخيرة، على تحريك خط النار في لحظة تعتبرها دقيقة. فالاستفزازات المتكرّرة ليست مجرد رسائل تكتيكية، بل تُقرأ في إطار محاولة جرّ الحزب إلى ردّ محسوب، ليصبح الردّ مبرّراً لإطلاق حملة عسكرية واسعة ضد لبنان، وربما بهدف إعادة ترميم الردع الذي اهتزّ خلال السنوات الماضية.
وفي المقابل، يبدو الحزب مدركاً أن انزلاقه إلى حرب واسعة لن يخدم موازين القوى الحالية، خصوصاً في ظل اتساع رقعة الأزمات الإقليمية وتزايد الضغط الدولي على ضبط الحدود اللبنانية.
الحرب في السودان… شرارة إضافية في هشاشة الإقليم
يتزامن هذا التوتّر مع حرب السودان التي تُلقي بظلال ثقيلة على الأمن الإقليمي. فامتداد الصراع وتعدد الأطراف الضالعة فيه يزيد من هشاشة الشرق الأوسط، حيث تُعاد صياغة خرائط النفوذ وتوازنات القوى. ولهذه الحرب تأثيرات مباشرة على الدول العربية، سواء لناحية حركة السلاح، أو الصراع على الممرات البحرية الحيوية في البحر الأحمر، أو إعادة ترتيب التحالفات العسكرية.
وبذلك، يصبح أي توتّر جديد على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية جزءاً من لوحة إقليمية معقّدة تتصدّرها صراعات متعددة: من غزة، إلى اليمن، إلى السودان، وصولاً إلى إعادة التموضع الأميركي في المنطقة.
*التحوّل الأميركي… دعم مستمر لإسرائيل ولكن…*
ورغم استمرار واشنطن في تمويل إسرائيل ودعمها سياسياً وعسكرياً، فإن السياسة الأميركية تشهد في الأشهر الأخيرة انعطافة لافتة. فالولايات المتحدة تعمل على فتح خطوط تسليح جديدة مع دول عربية، وفي مقدّمها السعودية التي مضت في واحدة من أهم الصفقات العسكرية الحديثة، ما أعاد إلى الواجهة الحديث عن حصولها على طائرات F-35 بعد سنوات من التحفّظ الأميركي.
ويُقرأ هذا التبدّل في سياق سباق تسلّح عالمي يتسارع مع صعود الصين وتطويرها منظومات جوية وتقنية باتت تنافس أسلحة الغرب الأكثر تقدماً. وتشعر واشنطن أن الوقت يضيق للحفاظ على تفوّق صناعتها الدفاعية، فتحاول تسويق ما يمكن تسويقه قبل أن تفقد هذه الأنظمة احتكارها التقني.
*الجزائر تشتري “سوخوي”… واتساع محاور التسلّح*
وفي الاتجاه المقابل، تعمل دول عربية أخرى مثل الجزائر على تعزيز قدراتها العسكرية من خلال صفقات واسعة مع روسيا، ولا سيما مشتريات من مقاتلات سوخوي الحديثة، في إطار سباق تسلّح تتشابك فيه الحسابات الأمنية مع الاصطفافات الدولية الجديدة.
إن هذا التنوّع في مصادر التسلّح لدى دول المنطقة يكرّس مشهداً متشعّباً لا يمكن فصله عن التوترات القائمة على الجبهات المختلفة، بما فيها الجبهة اللبنانية ـ الإسرائيلية.
المنطقة على برميل بارود
إنّ مجموع هذه العناصر من الاستفزازات الإسرائيلية، إلى حسابات حزب الله، إلى الصراعات العربية، إلى انقلاب موازين التسلّح عالمياً يشير إلى مرحلة إقليمية شديدة الحساسية. فكل طرف يناور على حافة الهاوية، فيما لا يبدو أن الحرب الشاملة خياراً مستبعداً، بل احتمالاً تتزايد عناصره يوماً بعد يوم.
ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم:
هل ستنجح الضغوط الدولية والإقليمية في منع الانفجار، أم أن إسرائيل ستواصل الرهان على استفزاز الحزب أملاً بفتح أبواب مواجهة واسعة قد تخرج عن السيطرة؟



